ليبيا تواجه معركة طويلة مع مخلفات الحروب.. الألغام تهدد الحياة واستقرار البلاد

ليبيا تواجه معركة طويلة مع مخلفات الحروب.. الألغام تهدد الحياة واستقرار البلاد

ليبيا تواجه معركة طويلة مع مخلفات الحروب.. الألغام تهدد الحياة واستقرار البلاد
ليبيا

تعيش ليبيا اليوم واقعًا مريرًا لا يقل خطورة عن فترات النزاع التي عاشتها البلاد في العقود الماضية، حيث أصبحت مخلفات الحروب، بما في ذلك الألغام والقذائف غير المنفجرة، تحديًا رئيسيًا يهدد حياة السكان وعرقلة جهود إعادة الإعمار. 

على امتداد مساحات شاسعة من الأراضي الليبية، تنتشر هذه المخلفات كأشباح من ماضٍ مضطرب، مسببةً مآسي إنسانية متجددة تتمثل في فقدان الأرواح والإصابات الخطيرة. 

ورغم الجهود المبذولة من قبل المنظمات الدولية والهيئات المحلية، إلا إن التخلص من هذه المخلفات ما يزال بحاجة إلى عقود من العمل الجاد والتمويل المستدام.


 ومع تداخل العوامل السياسية والأمنية، يبدو أن هذا الملف المعقد سيظل يلقي بظلاله على ليبيا لأجيال قادمة. 

وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن تطهير الأراضي الليبية من الألغام ومخلفات الحروب قد يستغرق ما لا يقل عن 15 عامًا، وهو ما يعكس حجم المأساة التي تعيشها البلاد. 

في ظل غياب الاستقرار السياسي والأمني، يصبح الوصول إلى حلول عملية لهذا الملف تحديًا كبيرًا، ما يضع المسؤولية على عاتق الدولة والمجتمع الدولي للوقوف جنبًا إلى جنب من أجل حماية أرواح الليبيين من خطر لا يفرق بين صغير أو كبير، مدني أو عسكري.

*15 عامًا*


ما تزال ليبيا، بعد سنوات من الصراعات والحروب الداخلية والخارجية، تواجه خطرًا كبيرًا يتمثل في مخلفات الحروب التي زرعت في أراضيها منذ فترة طويلة.

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن حوالي 444 مليون متر مربع من الأراضي الليبية تحتاج إلى تنظيف من الألغام والقذائف غير المنفجرة، ما يمثل أكثر من 64% من المساحات المهددة بتلك المخاطر.

فاطمة زريق، مديرة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في ليبيا، صرحت مؤخرًا بأن تنظيف هذه المساحات الشاسعة سيستغرق حوالي 15 عامًا، مشيرة أن المخاطر المتزايدة تتطلب جهودًا كبيرة ومستمرة. 


وفي ظل الأوضاع الحالية، تبدو هذه المهمة شبه مستحيلة دون تضافر الجهود الدولية والمحلية.



*إرث ثقيل*


تاريخ ليبيا مع الألغام ليس وليد الحروب الأهلية التي اندلعت مؤخرًا، بل يعود إلى عقود مضت، حيث كانت الأراضي الليبية مسرحًا لمعارك كبرى خلال الحرب العالمية الثانية بين قوات المحور والحلفاء.

يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنغازي، أحمد العبود، إن "الألغام جزء من تاريخ ليبيا المؤلم منذ أيام الاحتلال الإيطالي والحروب العالمية، وحتى الصراعات الحديثة"، مشيرًا أن العديد من المناطق الليبية ما زالت تعاني من هذا الإرث القاتل.

العبود أضاف - في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن الألغام تتسبب بشكل مستمر في وقوع ضحايا بين المدنيين، مشددًا على أن ملف الألغام لن يُحسم إلا في ظل وجود استقرار سياسي واقتصادي، وهو أمر ما زالت ليبيا بعيدة عنه في الوقت الحالي.

*الأضرار الإنسانية والاقتصادية*


لا تقتصر مآسي الألغام على الخسائر البشرية فحسب، بل تشمل تأثيرات أعمق على الاقتصاد الليبي والمجتمع.
 المحلل السياسي عادل الخطاب أوضح، أن الحروب التي شهدتها ليبيا لم تُخلّف سوى "موت وفقدان لعائلات، وتدمير للبنية الاجتماعية والاقتصادية".

وأضاف الخطاب - في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن "الألغام تمثل تهديدًا مستمرًا للتنمية، حيث تعرقل إعادة الإعمار وتؤدي إلى خسائر مالية وبشرية فادحة"، ورغم الجهود المبذولة من قبل الجهات الحكومية والمنظمات الدولية لتطهير بعض المناطق، إلا أن العملية ما تزال تسير ببطء، خصوصًا في ظل الانقسامات السياسية التي تعاني منها البلاد.

وأشار الخطاب، أن الألغام لم تُستخدم بشكل كبير في حرب 2011، لكن مع استمرار النزاع الداخلي والتوسع في الصراع الأهلي، أصبحت جزءًا من الواقع الليبي المؤلم.

*جهود دولية ومحلية للتطهير*


من جانبها، تعمل دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في ليبيا بشكل متواصل مع الجهات المحلية لإزالة هذه المخلفات، لكن التحديات ما تزال هائلة.

 وفقًا للخبراء، تحتاج ليبيا إلى تخصيص ميزانيات ضخمة لدعم هذه الجهود، إلى جانب تدريب العناصر الوطنية المختصة في نزع الألغام.

وقد أكد الخطاب، أن الدولة الليبية بحاجة إلى تحفيز فرق الهندسة العسكرية ووزارة الداخلية، الذين يقومون بجهود كبيرة في هذا المجال، من خلال تقديم امتيازات مالية وتأمين صحي لهم ولعائلاتهم، نظرًا لما يواجهونه من مخاطر يومية في عملهم. 

وفي ظل غياب هذه التحفيزات، قد تتباطأ الجهود، ما يفاقم من الأزمة.