المحكمة الدستورية تشعل الصدام.. ليبيا بين الانقسام السياسي والقضائي

المحكمة الدستورية تشعل الصدام.. ليبيا بين الانقسام السياسي والقضائي

المحكمة الدستورية تشعل الصدام.. ليبيا بين الانقسام السياسي والقضائي
المحكمة العليا في ليبيا

في ظل أزمة سياسية مستعصية تعصف بليبيا، تزداد الفجوة بين المجلس الرئاسي والبرلمان، مما يفاقم التوترات بين القوى السياسية الرئيسية.


 في الآونة الأخيرة، اتسعت دائرة الخلاف بين الطرفين لتشمل قانون تأسيس المحكمة الدستورية، وهو القانون الذي بات محور صدام جديد بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس البرلمان عقيلة صالح، ورغم الدعوات المستمرة للحوار السياسي والوصول إلى حلول توافقية، يبدو أن الفجوة بين الطرفين تتعمق بشكل متسارع، خاصة بعد إقدام البرلمان على تشريع قوانين وصفها المنفي بأنها "لا تتطلبها المرحلة الانتقالية" و"تتعارض مع الاتفاق السياسي".

تتمثل أحدث جولات الصراع في خطاب وجهه المنفي إلى رئيس البرلمان، طالب فيه بإلغاء أو تجميد القوانين التي لا تتناسب مع المرحلة الراهنة.

 ومن أبرز هذه القوانين قانون المحكمة الدستورية العليا الذي أقره البرلمان في ديسمبر 2022؛ مما أثار جدلاً واسعاً حول دستوريته.

 واعتبر المنفي أن البرلمان الذي يعتبر "سلطة تشريعية مؤقتة" قد تجاوز صلاحياته، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تمثل "محاولة مستمرة للهيمنة على السلطة القضائية".

*المجلس الرئاسي يحذر*


في خطاب وجهه محمد المنفي، انتقد بشدة التحركات الأخيرة التي أقدم عليها البرلمان فيما يتعلق بتعديل القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية.

 وأكد المنفي أن تلك التعديلات تعيق التوازن المطلوب بين السلطات، وهو ما يعد مخالفاً لمبادئ الاتفاق السياسي الليبي الذي يرسم حدود صلاحيات كل جهة. 

وشدد على أن هذه التعديلات قد تؤدي إلى تدهور الاستقرار السياسي وتخلق بيئة خصبة للصراعات المستقبلية.

 وجاءت تحذيرات المنفي لتؤكد أن هذه القوانين تمثل خطوة غير مدروسة تزعزع العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية.

وأشار رئيس المجلس الرئاسي إلى أن تعيين البرلمان مستشارين قضائيين وأدائهم لليمين القانونية بموجب قانون المحكمة الدستورية "المطعون في دستوريته" هو أمر يشكل خطراً على المسار السياسي ويعرقل جهود المصالحة الوطنية. 

واعتبر أن تجاوز البرلمان لاختصاصاته، والتعديلات التي وصفها بـ "الأحادية"، تقود البلاد إلى مرحلة جديدة من الانقسام.

*رد البرلمان والحكومة المكلفة*


في رد سريع على اتهامات المنفي، أصدرت الحكومة المكلفة من البرلمان بيانًا، اليوم الأحد، أكدت فيه أن المجلس الرئاسي "منتهي الولاية" ولا يملك صلاحية الاعتراض على التشريعات التي يقرها البرلمان. 

كما شددت على أن القانون "صدر من جهة تشريعية مختصة"، وهو ما يعزز مبدأ الرقابة الدستورية على القوانين، معتبرة أن التشريع الجديد يسعى لترسيخ مبدأ استقلال القضاء وتعزيز دور المحكمة الدستورية في حماية الدستور والقوانين.

واتهمت الحكومة المجلس الرئاسي بأنه يسعى لتعميق الانقسام بين مؤسسات الدولة، قائلة: إن موقفه "لا يعبر إلا عن نظرة ضيقة ولا يستند إلى أي معايير قانونية".

 وأكد البيان، أن البرلمان يتطلع إلى توحيد مؤسسات الدولة بما في ذلك القضاء، داعياً إلى ضرورة احترام سلطة التشريع وعدم التدخل في اختصاصاتها.

*تحفظات معسكر الغرب الليبي*


قانون المحكمة الدستورية، الذي أقره البرلمان في ديسمبر 2022، أثار تحفظات كبيرة داخل الأوساط السياسية في الغرب الليبي، حيث اعتبرت الأطراف المناوئة للبرلمان أن تأسيس المحكمة في بنغازي يعزز الانقسام بين الشرق والغرب.

 وازداد الجدل بعد تعيين رئيس وأعضاء المحكمة في يونيو الماضي، وهو ما زاد من تعقيد المشهد الليبي، وأثار مخاوف بشأن طبيعة هذه التعيينات وإمكانية استغلالها لأهداف سياسية.

ومن جانب آخر، تزايدت التحفظات مع اقتراب المجلس الرئاسي من إنهاء ولايته دون الوصول إلى حلول سياسية شاملة أو تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية. 

وتعتبر قوى الغرب الليبي أن المجلس الرئاسي بقيادة المنفي يسعى جاهداً للحفاظ على مكانته وصلاحياته في مواجهة تصاعد نفوذ البرلمان في الشرق، وهو ما يزيد من احتمالية حدوث صدام سياسي أكبر في المستقبل القريب.

*جدل مستمر*

الانقسام بين البرلمان والمجلس الرئاسي ليس وليد اليوم، إذ تعمق الخلاف بين الطرفين منذ أغسطس الماضي حين أقدم المجلس الرئاسي على تغيير إدارة المصرف المركزي وتعيين محافظ جديد دون الرجوع إلى البرلمان. 

هذه الخطوة زادت من تعقيد العلاقات بين الطرفين، خاصة بعد أن رفض البرلمان الاعتراف بالقرار، ما أدى إلى استمرار الخلاف حول إدارة المؤسسات المالية.

رغم أن الأمم المتحدة حاولت التوسط لحل هذا النزاع من خلال مفاوضات توجت بتعيين محافظ جديد وتشكيل مجلس إدارة للمصرف، إلا أن التوترات ما زالت قائمة، وهو ما يعكس الانقسامات العميقة التي تشهدها المؤسسات الليبية المختلفة.

من جانبه، يقول د. محمد  المنجي، أستاذ العلوم السياسية: إن هذا الصدام بين المجلس الرئاسي والبرلمان يعكس الانقسامات العميقة داخل المؤسسات الليبية.

ويعتقد المنجي، أن "التوتر بين الجهتين يعكس فشل القيادة السياسية في التوافق على آليات إدارة المرحلة الانتقالية؛ مما يجعل أي محاولات لإجراء انتخابات أو تحقيق الاستقرار السياسي أكثر تعقيداً".

وأضاف المنجي -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن "التنافس على النفوذ السياسي والاقتصادي بين الشرق والغرب هو المحرك الأساسي لهذا الصدام، حيث يسعى كل طرف إلى تعزيز قبضته على المؤسسات الرئيسية في الدولة، بما في ذلك القضاء والسلطة المالية".

وتابع أستاذ العلوم السياسية، أن حل الأزمة الليبية يحتاج إلى تدخل دولي أكثر فعالية، حيث قال: "لا يمكن تحقيق تقدم حقيقي دون توافق داخلي يحظى بدعم دولي صريح يفرض التفاهم بين الأطراف المتصارعة".

وحذر من أن "استمرار الخلافات قد يؤدي إلى تصعيد سياسي وربما عسكري؛ مما يهدد بعودة البلاد إلى دائرة الصراع المفتوح".