قصف القوافل الإنسانية.. جريمة حرب تفضح ممارسات الإخوان في السودان

قصف القوافل الإنسانية.. جريمة حرب تفضح ممارسات الإخوان في السودان

قصف القوافل الإنسانية.. جريمة حرب تفضح ممارسات الإخوان في السودان
جماعة الإخوان

في شمال دارفور، حيث تحوّل الجوع إلى سلاح لا يقل فتكًا عن الرصاص، امتدت يد الحرب لتطال آخر خيوط الأمل. قافلة إنسانية خرجت من بورتسودان محملة بالغذاء والدواء للأطفال والأمهات المرهقين من الحصار، لكنها لم تصل إلى مقصدها؛ إذ استُهدفت في مدينة مليط بغارة جوية أحرقتها وحولت المساعدات إلى رماد، تاركة خلفها جثثًا محروقة وأطفالًا ينتظرون ما لن يصل. 

هذه المأساة، التي وثقتها منظمات دولية وشهادات محلية، أعادت إلى الأذهان نهجًا مألوفًا في حروب السودان: قصف الأسواق والمستشفيات وقوافل الإغاثة، ثم إنكار المسؤولية. 

وبينما يتبادل الجيش والدعم السريع الاتهامات، تؤكد الشهادات أنّ الطائرات الحربية ـ التي لا يملكها سوى الجيش ـ هي من نفذت الضربة. في بلدٍ يلتهمه الصراع، لم تعد المجاعة نتيجة جانبية للحرب بل أداة مدروسة لإخضاع المدنيين. قافلة مليط لم تكن حادثة عابرة، بل علامة فارقة على تحوّل الجوع إلى سلاح حرب ممنهج.

استهداف المساعدات


لم يكن مشهد القافلة المحترقة في "مليط" مجرد صورة أخرى من صور الحرب السودانية، بل كان دلالة على مسارٍ متصاعد من العنف يستهدف المدنيين بطرق مباشرة وغير مباشرة. فقد جاءت القافلة، وهي الأولى منذ أكثر من عام، تحت إشراف برنامج الغذاء العالمي واليونيسف، محملة بالأدوية والمواد الغذائية العاجلة، كانت في طريقها إلى الفاشر عبر مليط، قبل أن تتحول إلى هدف لصواريخ أطلقتها طائرات حربية، بحسب شهادات مستقلة نقلتها وسائل إعلام غربية.

القصف أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل وإحراق شاحنات المساعدات، في وقتٍ كانت فيه آلاف العائلات تنتظر تلك المؤن لإنقاذ أطفالها من شبح المجاعة، ورغم أن الجيش السوداني نفى مسؤوليته، مشيرًا أنّ طائرات مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع هي من نفذت الهجوم، إلا أن تقارير دولية ـ منها ما نشرته صحيفة الغارديان ـ أشارت إلى أن الضربة جاءت من الجو وباستخدام سلاح الطيران، وهو ما يعزز الاتهامات المباشرة للجيش.

التجويع كسلاح


هذا الإنكار لم يكن جديدًا على المؤسسة العسكرية السودانية، بل هو جزء من نمطٍ قديم يعود إلى حرب دارفور عام 2003، حيث اعتادت القوات الحكومية على استهداف الأسواق والقرى وطرق الإمداد، ثم تنفي مسؤوليتها وتلقي التهمة على المتمردين. 

وما يزيد الأمر وضوحًا هو ما أشار إليه إعلام سوداني محلي، من أنّ الجيش بات خاضعًا لسيطرة الحركة الإسلامية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، التي تستخدم سياسة "التجويع كسلاح" لتركيع المجتمعات المحلية.

وأكد، أن استهداف القوافل الإنسانية لا يعد مجرد جريمة عابرة، بل جريمة حرب مكتملة الأركان وفق القانون الدولي الإنساني، فالقصف المتعمد لوسائل الإغاثة والطواقم الطبية يُعتبر انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف.

الأمم المتحدة بدورها اعتبرت ما حدث انتهاكًا خطيرًا، فيما ذهبت منظمات حقوقية سودانية ودولية إلى وصف الحادثة بأنها جزء من سياسة منهجية تهدف لإضعاف المدنيين عبر الحرمان من الغذاء والدواء.

تاريخيًا، ظل استخدام التجويع في النزاعات أداة مكشوفة لكنها فعالة، إذ يجبر السكان على الاستسلام بفعل الحاجة قبل أن ينهاروا عسكريًا. 

وفي الحالة السودانية، يبدو أنّ الجيش تبنّى هذا النهج بشكلٍ صريح، إذ لم يقتصر الأمر على قصف قافلة مليط، بل تكرر خلال الأسبوع نفسه ثلاث مرات استهداف مدينة مليط ذاتها، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع؛ ما أسفر عن سقوط عشرات المدنيين بين قتيل وجريح.

جهود أممية


المتحدث باسم الوكالة الأممية، غيفت واتاناساثورن، أوضح أنّ القافلة كانت متوجهة إلى قرية الصيّاح وقت تعرضها للقصف، مؤكدًا أنّ استهدافها جرى في منطقة تعاني بالفعل من مستويات حرجة من المجاعة. 

وطالب واتاناساثورن باحترام القانون الإنساني الدولي وحماية العاملين في المجال الإغاثي، الذين يجب أن يكونوا بمنأى عن العنف.

لكن ما جرى في مليط ليس استثناءً، إذ تؤكد الإحصاءات الأممية أنّ أكثر من 120 عاملًا إنسانيًا قُتلوا منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، هؤلاء لم يكونوا مجرد أرقام، بل أطباء وسائقون ومتطوعون خاطروا بحياتهم يوميًا لإيصال المساعدات.

نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، لوكا ريندا، وصف استهدافهم بأنه "تذكير قاتم بالمخاطر التي تواجه كل من يحاول إنقاذ الأرواح وسط النزاعات".

مراقبون أكدوا أنّ الحل يكمن في إعادة هيكلة العملية الإنسانية داخل السودان عبر إقامة ممرات آمنة تحت رقابة دولية مباشرة، مع إشراك المنظمات المحلية الصغيرة القادرة على التحرك بين المجتمعات.

 مثل هذا الإجراء قد يحد من المخاطر، لكنّه يظل رهنًا بإرادة سياسية مفقودة حتى الآن، سواء من قبل الجيش أو قوات الدعم السريع، ومع استمرار الصراع، يبدو أن المدنيين هم من يدفعون الثمن الأكبر، سواء عبر الرصاص المباشر أو عبر الحصار والتجويع.

الحرب من خلف ستار


قافلة مليط تمثل مثالًا صارخًا على أن الجوع لم يعد نتيجة جانبية للحرب السودانية، بل أصبح سلاحًا مقصودًا يُستخدم لتركيع مجتمع بأكمله. وفي حين يتواصل الإنكار الرسمي، تبقى الحقيقة ساطعة: الجيش السوداني، تحت نفوذ الإسلاميين، يعيد إنتاج أسوأ فصول دارفور، في وقتٍ يقف فيه المجتمع الدولي عند حدود التنديد دون أن يترجم ذلك إلى أفعال.

من جانبه، قال الكاتب والمفكر ثروت الخرباوي: إن ما حدث في مدينة مليط ليس مجرد حادثة عسكرية عابرة، بل هو انعكاس مباشر لسيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مفاصل المؤسسة العسكرية في السودان، وأوضح أن الجماعة لطالما استخدمت فكرة "التجويع كسلاح" في أدبياتها السياسية والعسكرية، معتبرة أن إخضاع المجتمعات يبدأ بحرمانها من أساسيات الحياة قبل مواجهتها بالقوة المسلحة.

وأشار الخرباوي -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، إلى أن استهداف قوافل الإغاثة الإنسانية يفضح ذهنية الإسلاميين التي تقوم على مبدأ "إدارة الحرب من خلف ستار"، حيث يوجّهون الجيش للقيام بأفعال تتعارض مع القيم الإنسانية والقوانين الدولية، ثم ينكرون المسؤولية ويلصقونها بخصومهم. 

هذا النمط ـ بحسب رأيه ـ يعيد إلى الأذهان ممارسات مماثلة في دارفور منذ 2003، حيث استُخدم الحصار الغذائي لإضعاف السكان قبل الهجوم عليهم.

ويرى الخرباوي، أن القصف الأخير يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي: فإما الاكتفاء ببيانات الشجب، وهو ما يمنح الحركة الإسلامية والجيش ضوءًا أخضر لمزيد من الانتهاكات، أو الانتقال إلى خطوات عملية كفرض ممرات إنسانية تحت رقابة أممية. 

وختم بالقول: "السكوت على هذه الجريمة يعني السماح بتكرارها، والجوع حين يصبح أداة حرب يتحول إلى جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم".