السودان أمام سيناريو الانهيار الشامل.. تداعيات الحرب وعجز الحلول 

السودان أمام سيناريو الانهيار الشامل.. تداعيات الحرب وعجز الحلول 

السودان أمام سيناريو الانهيار الشامل.. تداعيات الحرب وعجز الحلول 
الحرب السودانية

منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، يقترب البلد العربي المنكوب من انهيار شامل يعصف بكل مقومات الحياة، تقارير دولية تؤكد أن البلاد تعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث تحولت الصراعات المسلحة إلى كابوس يومي يهدد أكثر من 48 مليون نسمة، ومع غياب الحلول السياسية وازدياد التدهور الاقتصادي، يبدو أن المستقبل يحمل للسودانيين معاناة أكبر في ظل صمت دولي يثير التساؤلات.

*حرب عبثية لا ترحم*


التقارير الأممية ترسم صورة قاتمة عن الوضع الإنساني في السودان، حيث أجبرت الحرب أكثر من 11 مليون شخص على النزوح داخل البلاد، في حين لجأ أكثر من 3 ملايين سوداني إلى الدول المجاورة؛ مما يجعل الأزمة في السودان "أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم"، وفقًا للأمم المتحدة.

الأطفال هم الفئة الأكثر تضررًا؛ إذ فقد 17 مليون طفل حقهم في التعليم، بينما يعيش أكثر من 3.7 مليون طفل في مواجهة شبح سوء التغذية.

أما في مخيمات النزوح، فإن الحياة تكاد تكون معدومة بسبب انعدام الخدمات الأساسية، حيث تفتقد غالبية تلك المخيمات لمياه الشرب النظيفة والصرف الصحي الملائم، ما أدى إلى انتشار أمراض وبائية مثل الكوليرا والملاريا.

ووسط هذه الكارثة، يؤكد المجلس النرويجي للاجئين أن المجتمعات المحلية تتحدث عن قصص مرعبة تتعلق بالعنف، حيث تعرضت قرى بأكملها للتدمير، وتم تنفيذ إعدامات ميدانية بحق المدنيين واغتصاب النساء، في إطار حرب وصفها المراقبون بأنها "عبثية لا ترحم".

*الاقتصاد في "غرفة الإنعاش"*


لم يقتصر تأثير الحرب على الجانب الإنساني فقط، بل امتد ليشمل الاقتصاد السوداني الذي بات في حالة انهيار غير مسبوق.

فقد تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتجاوز 70%، وتهاوت قيمة العملة الوطنية بنسبة 400% منذ اندلاع الحرب، حيث يتم تداول الدولار الواحد عند نحو 2300 جنيه مقارنة بـ600 جنيه فقط قبل الأزمة.

تشير التقديرات إلى أن السودان يخسر حوالي 500 مليون دولار شهريًا نتيجة للدمار الشامل الذي طال البنية التحتية والمؤسسات الإنتاجية.

كما تضاعفت أسعار السلع الأساسية أربع مرات، وأصبح أكثر من 80% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، في ظل غياب تام لأي برامج حكومية قادرة على دعم المتضررين أو وقف التدهور الاقتصادي.

*انفلات أمني*


الجانب الأمني لا يقل خطورة عن باقي الأبعاد، حيث تسود حالة من الفوضى في معظم أرجاء البلاد.


أكثر من 100 مجموعة مسلحة تتنازع السيطرة على مناطق استراتيجية، بينما تسبب القصف الجوي المكثف وانتشار المليشيات المسلحة في مقتل أكثر من 61 ألف شخص في الخرطوم وحدها، بحسب تقرير لكلية لندن للصحة والطب الاستوائي.


في أكتوبر 2024 وحده، لقي نحو 2600 شخص مصرعهم بسبب القتال، بينما شُرّد أكثر من 27 ألف شخص.


ووفقًا لتقارير أممية، أصبح أكثر من 70% من مساحة البلاد ساحة للصراعات المسلحة، ما أدى إلى تدمير القرى وتهجير المدنيين وتفشي الجرائم المنظمة.

*الأرض المحروقة*


تحمل العديد من الجهات الدولية والمحلية طرفي الصراع مسؤولية استمرار النزاع، في حين وجهت انتقادات اشد حدة إلى الجيش السوداني فمنذ البداية، ساهمت "سياسة الأرض المحروقة" التي انتهجها الجيش في مضاعفة معاناة المدنيين، سواء من خلال القصف العشوائي أو العمليات العسكرية واسعة النطاق التي لم تراعِ سلامة السكان.

وبينما يصرح الجيش، بأنه يحارب لاستعادة الأمن والاستقرار، يرى المراقبون أن النزاع بات معركة لتصفية الحسابات السياسية بين الأطراف المتصارعة، في ظل غياب أي رؤية حقيقية لإنهاء الأزمة أو تخفيف معاناة السودانيين.

*دعوات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه*


في ختام زيارته للسودان، أطلق الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، يان إيغلاند، تحذيرًا شديد اللهجة، قائلًا: إن السودان يواجه "عدًا تنازليًا بلا هوادة نحو الانهيار التام".


وأضاف إيغلاند: "العالم صامت أمام مأساة السودان، رغم أن حجم الكارثة يستدعي استنفارًا دوليًا عاجلًا".


من جانبهم، يحث الخبراء الدوليون على ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية من أجل التوصل إلى هدنة تتيح إدخال المساعدات الإنسانية وبدء عملية سياسية شاملة، ومع ذلك، يشير محللون أن استمرار الصراع دون حلول جذرية يعني أن أي محاولات للمساعدة ستكون أشبه بـ"مسكنات مؤقتة" في ظل مرض عضال ينهش البلاد. 



*المساعدات وحدها لن تكفي.. يجب إيقاف الحرب*


من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي السوداني، محمد الناير، أن الأوضاع الاقتصادية الكارثية في السودان تمثل الوجه الأكثر خطورة للحرب المستمرة، حيث أصبحت البلاد تواجه خطر انهيار مالي شامل.

وأوضح " الناير" في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تفوق 70% يشير إلى شلل تام في معظم القطاعات الإنتاجية؛ مما يهدد الأمن الغذائي ويعزز حالة الاعتماد الكامل على المساعدات الخارجية.

يشير الخبير أن تضاعف أسعار السلع الأساسية وارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق يمثلان نتائج مباشرة للدمار الاقتصادي.


كما أن انهيار العملة الوطنية بأكثر من 400% أدى إلى عجز الحكومة عن توفير الدعم اللازم للمواطنين أو حتى دفع رواتب العاملين في القطاع العام.


ويضيف الناير، أن الحلول الاقتصادية المؤقتة مثل تقديم المساعدات الإنسانية لن تكون كافية ما لم يتوقف النزاع المسلح ويتم التركيز على إعادة بناء المؤسسات الإنتاجية والبنية التحتية.


كما أوضح أن المجتمع الدولي عليه أن يتحمل مسؤولية الضغط على الأطراف المتنازعة من أجل إنهاء الحرب، فاستمرار هذا النزاع لا يهدد السودان وحده، بل يمتد تأثيره إلى المنطقة بأكملها، خاصة مع احتمالية تفاقم أزمة اللاجئين وتدهور الأمن الإقليمي.


*كارثة إنسانية لا مثيل لها*


في السياق ذاته، وصف المحلل السياسي السوداني عادل محمد الوضع الإنساني في السودان بأنه "كارثة إنسانية لا مثيل لها"، حيث إن أرقام النزوح واللجوء تجاوزت كل التوقعات، موضحًا أن تأثير الحرب تجاوز الجوانب السياسية ليصيب البنية الاجتماعية للسودانيين في مقتل، مع تحول الملايين إلى لاجئين داخل وخارج البلاد.

وأضاف محمد، في حديثه لـ"العرب مباشر"، الأوضاع في مخيمات النزوح مأساوية، حيث يعاني السكان من انعدام الخدمات الأساسية وانتشار الأوبئة، وهو ما يشكل بيئة خصبة لكوارث إنسانية جديدة، مثل تفشي الأمراض المعدية وارتفاع معدلات وفيات الأطفال. مشيرًا إلى أن الفئة الأكثر ضعفًا هي النساء والأطفال، الذين تعرضوا لانتهاكات جسيمة، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجسدي.

وأكد المحلل السياسي السوداني، أن المجتمع الدولي مطالب بالتحرك بشكل عاجل لتقديم المساعدات الإنسانية، لكن يجب أن تتزامن هذه الجهود مع خطوات دبلوماسية تهدف إلى التوصل إلى هدنة دائمة.

وترى أن العالم يتحمل مسؤولية كبيرة إزاء هذه الأزمة، فاستمرار الصمت الدولي لن يؤدي إلا إلى تعميق الكارثة، التي ستظل وصمة عار على جبين الإنسانية إذا لم يتم التعامل معها بجدية وسرعة.