طهران تتراجع خطوة إلى الوراء.. النووي مقابل رفع العقوبات

طهران تتراجع خطوة إلى الوراء.. النووي مقابل رفع العقوبات

طهران تتراجع خطوة إلى الوراء.. النووي مقابل رفع العقوبات
الرئيس الأميركي دونالد ترامب

في مشهدٍ يعكس براغماتية اللحظة الإيرانية تحت وطأة العقوبات وتهديدات واشنطن، خرج أحد أكثر وجوه النظام الايراني نفوذًا يعلن استعداد بلاده للعودة إلى الطاولة النووية.

علي شمخاني، المستشار الأمني والسياسي للمرشد الأعلى علي خامنئي، لم يكتفِ بتأكيد الانفتاح على اتفاق، بل عرض ملامح تنازل نووي صريح، شريطة رفع فوري للعقوبات. 

هذا التحول المفاجئ لم يأتِ من فراغ، بل تزامن مع تصعيد لفظي من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لوّح بـ"غصن زيتون" مغلف بتحذير قاسٍ: إما الاتفاق أو مزيد من الخنق الاقتصادي. 

في خلفية هذه التصريحات، تقف الأزمة الداخلية المتفاقمة في إيران والضغوط الجيوسياسية التي تحاصرها من كل اتجاه، من مضيق هرمز حتى سواحل المتوسط. وبين خطابين متناقضين، أمريكي حاد، وإيراني مرن بشروط، تُرسم ملامح صفقة نووية محتملة قد تعيد تشكيل التوازنات في الشرق الأوسط، إذا كُتب لها أن ترى النور قبل أن يُسدل الستار على ما تبقى من وقت ترامب السياسي.

*خيارين لا ثالث لهما*


وسط تراكم التحديات الاقتصادية والتوترات الإقليمية، أبدت إيران على لسان أحد أبرز وجوه نظامها، علي شمخاني، استعدادها لإبرام اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة، بشرط رفع فوري للعقوبات الاقتصادية.

وجاءت تصريحات شمخاني في مقابلة تلفزيونية مع شبكة "إن بي سي" الأمريكية، تزامنًا مع تحذيرات أطلقها الرئيس دونالد ترامب، وضع فيها طهران أمام خيارين لا ثالث لهما: القبول باتفاق يقيّد برنامجها النووي، أو مواجهة ضغط اقتصادي غير مسبوق.

شمخاني، الذي يشغل موقعًا بالغ الحساسية كمستشار للمرشد الأعلى في الشؤون النووية والأمنية، شدد على أن إيران لن تسعى أبدًا إلى تصنيع سلاح نووي، وأنها مستعدة لتقليص نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات مدنية بالكامل، مع تقديم ضمانات لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة المنشآت كافة.

هذه التصريحات تمثل تحوّلاً تكتيكيًا في خطاب طهران، بعد سنوات من التصعيد والجمود الدبلوماسي.

*تحفظات وتوترات*


لكن هذا الانفتاح الإيراني لم يخلُ من التحفظات، شمخاني أشار بوضوح إلى تناقضات الإدارة الأمريكية، منتقدًا ازدواجية خطاب ترامب الذي يتحدث عن السلام ويمارس أقسى درجات الضغط، وقال بنبرة ساخرة: "يتحدث عن غصن زيتون، لكننا لا نرى سوى الأسلاك الشائكة".

هذا التوتر في اللغة يعكس تراكمًا في التوترات بين البلدين منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الأصلي في 2018، حينما اختار ترامب في ولايته الأولى تمزيق الاتفاق الذي أبرم في عهد باراك أوباما، وأعاد فرض سلسلة من العقوبات القاسية التي شلت الاقتصاد الإيراني وأشعلت موجات احتجاجات داخلية.

وردّت إيران حينها بتوسيع أنشطتها النووية وتجاوز بعض القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم.

لكن يبدو أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض، في ولايته الثانية، فتحت نافذة محتملة لإحياء المسار الدبلوماسي، خصوصًا بعد أن ألمح في أكثر من مناسبة إلى رغبته في تحقيق "صفقة أفضل".

هذه الرغبة، بحسب مراقبين، ليست بعيدة عن الحسابات الانتخابية للرئيس الأمريكي الذي يسعى لتحقيق إنجاز خارجي بارز.

*بالون اختبار سياسي*


في المقابل، تعيش إيران مرحلة حساسة داخليًا، فالعقوبات أنهكت قطاعها النفطي وأفقدت العملة المحلية جزءًا كبيرًا من قيمتها، ما أدى إلى تفاقم معدلات الفقر والبطالة.

وهذا ما يفسر، جزئيًا، اللهجة التفاوضية الجديدة التي استخدمها شمخاني، والتي يرى فيها بعض المحللين تفويضًا ضمنيًا من المرشد الأعلى علي خامنئي لتليين المواقف دون تقديم تنازلات مجانية.

تصريحات شمخاني لا تُفهم فقط في سياق المقابلة التلفزيونية، بل هي بمثابة بالون اختبار سياسي يرمي إلى جس نبض الإدارة الأمريكية الجديدة-القديمة.

فالاتفاق، كما أوضح، ممكن وقابل للتحقق، لكن بشرط احترام المطالب الإيرانية برفع العقوبات بشكل فوري وغير مشروط.
أما في واشنطن، فقد كرر ترامب موقفه المعروف من البرنامج النووي الإيراني، قائلاً: إن السماح لطهران بامتلاك سلاح نووي "خط أحمر لا يمكن تجاوزه".

وأضاف: "إذا لم توافق إيران على الاتفاق، فسنصعّد سياسة الضغط الأقصى حتى نصل إلى صفر صادرات نفطية وعزلة اقتصادية تامة".

ويحذر خبراء من أن فشل أي مفاوضات قادمة قد يعيد المنطقة إلى أجواء ما قبل الاتفاق النووي الأول، مع تصاعد المخاطر الأمنية في الخليج، وتزايد احتمالات المواجهة غير المباشرة في الساحات التقليدية مثل سوريا والعراق ولبنان.

مع اقتراب الذكرى الثالثة لفشل محادثات فيينا النووية، يرى البعض أن هذه اللحظة قد تمثل فرصة نادرة لكسر الجمود، خاصة إذا ترافق أي تقدم دبلوماسي مع إجراءات أمريكية ملموسة لتخفيف العبء الاقتصادي عن الإيرانيين، على غرار الإفراج عن الأرصدة المجمدة أو السماح ببيع محدود للنفط.