معركة التشريعات في العراق.. جدل زواج القاصرات والعفو العام

معركة التشريعات في العراق.. جدل زواج القاصرات والعفو العام

معركة التشريعات في العراق.. جدل زواج القاصرات والعفو العام
مجلس النواب العراقي

عادت أروقة البرلمان العراقي لتشهد جدلًا حادًا بين النواب، وسط حالة من الغضب الشعبي والانقسام السياسي، جاءت هذه الفوضى على خلفية إقرار تشريعات أثارت الجدل، كان أبرزها تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يفتح الباب أمام زواج القاصرات، وقانون العفو العام الذي وُصف بأنه خطوة ملتبسة نحو العدالة الانتقائية، هذه القوانين لا تعكس فقط التعقيدات الاجتماعية والثقافية للعراق، بل تسلط الضوء أيضًا على انقسامات أعمق بين التيارات السياسية والطائفية، وبينما يرى البعض أن هذه التعديلات تعزز الخيارات الفردية في مجتمع متنوع، يُحذر آخرون من تداعياتها على حقوق المرأة والطفل، فضلًا عن مخاطر فتح ملفات قضائية شائكة تحت شعار الإنصاف القانوني.

*تعديلات قانون الأحوال الشخصية*


بعد سنوات من الجدل والمواجهات، أقر البرلمان العراقي تعديلات مثيرة للانقسام على قانون الأحوال الشخصية، وهو القانون الذي اعتُبر منذ عام 1959 ركيزة تقدمية في مجتمع محافظ ومتعدد الطوائف.
التعديلات تمنح الأزواج حرية الاختيار بين أحكام المذهب الشيعي، السني، أو قانون الأحوال الشخصية القائم؛ مما يثير مخاوف حقوقية من أن يؤدي ذلك إلى تآكل مكتسبات النساء في قضايا الزواج، الطلاق، والميراث.


ورغم بقاء السن القانونية للزواج عند 18 عامًا، أو 15 عامًا بموافقة الولي والقاضي، يرى حقوقيون أن التعديلات قد تفتح المجال أمام تزويج القاصرات بشكل غير مباشر.


منظمة العفو الدولية نبهت إلى مخاطر محتملة تتمثل في تقنين الزيجات غير المسجلة، التي تُستخدم أحيانًا كوسيلة للتحايل على قوانين حظر زواج الأطفال.

*قانون العفو العام*


في خطوة أخرى، أقر البرلمان تعديلات على قانون العفو العام، وسط ترحيب من بعض الأطراف، أبرزها حزب "تقدّم" الذي يمثل الطائفة السنية. القانون أتاح إعادة التحقيق والمحاكمة للمتهمين الذين يزعمون انتزاع اعترافاتهم تحت التعذيب، أو بناءً على تقارير من مخبرين سريين؛ ما يعكس محاولة لتقليل الانتهاكات في النظام القضائي. 


ومع ذلك، استثنى القانون المدانين بجرائم الإرهاب المفضية إلى القتل، الاغتصاب، والاتجار بالبشر، إضافة إلى جرائم أخرى مثل التطبيع مع إسرائيل.


هذه الاستثناءات أثارت تساؤلات حول شمولية القانون وفعاليته في تحقيق العدالة الاجتماعية، خاصة في ظل الاتهامات المتكررة باستخدام القوانين كأدوات انتقائية لتعزيز مكاسب سياسية.

*ردود فعل متباينة*


شهدت جلسة البرلمان العراقي، التي أُقرّت خلالها التعديلات المثيرة للجدل، احتجاجات حادة من نواب معارضين، حيث تعالت أصواتهم منددة بما اعتبروه خرقًا للإجراءات البرلمانية المعتادة.


ووصفت النائبة نور نافع الجليحاوي، التعديلات بـ"المهزلة"، مؤكدة أن تمريرها تم دون تصويت رسمي كما تنص القواعد؛ مما يضع شرعية هذه القوانين موضع تساؤل.


كما أشارت الجليحاوي إلى غياب الشفافية في مناقشات القوانين داخل اللجان البرلمانية؛ ما أثار غضب النواب والمواطنين على حد سواء.


على الجانب الشعبي، انفجرت موجة من الغضب على منصات التواصل الاجتماعي، حيث أطلق الناشطون وسومًا تنتقد التعديلات، مطالبين بإلغائها فورًا.


وتركزت الانتقادات على تعديل قانون الأحوال الشخصية، وُصِف بأنه تراجع خطير في حقوق المرأة والطفل. استشهد المستخدمون بقصص وحالات واقعية عن معاناة النساء والأطفال في ظل قوانين مماثلة، مؤكدين أن التعديلات قد تفتح الباب لانتهاكات جديدة بحق الفئات الأكثر ضعفًا.

*تداعيات محتملة*


وفق التعديلات الجديدة، يُنتظر من مجلس النواب وخبراء الفقه والقانون، بالتعاون مع مجلس الدولة العراقي، إعداد مدونة أحكام شرعية للطوائف السنية والشيعية خلال أربعة أشهر. يُتوقع أن تكون هذه المدونة نقطة اشتعال جديدة في الشارع العراقي، خاصة مع تعقيد التركيبة الطائفية والاجتماعية للبلاد.


يرى مراقبون، أن تطبيق هذه الأحكام سيتطلب توازنًا دقيقًا لتجنب إثارة حساسيات طائفية، إلا أن ذلك يبدو شبه مستحيل في ظل الانقسامات السياسية الحالية.


الخبراء يحذرون من أن هذه التعديلات قد تُستخدم كأداة سياسية لتعزيز النفوذ الطائفي لبعض الأحزاب على حساب الوحدة الوطنية.
بالإضافة إلى ذلك، يخشى البعض أن يؤدي هذا التعديل إلى تضييق الهوامش القانونية التي تحمي حقوق المرأة والطفل، مما يضع العراق في مواجهة مع المنظمات الحقوقية الدولية.

من جانبه، يقول د. عبدالله مغازي، أستاذ القانون الدستوري: إن هذه التعديلات تعكس التوتر بين الأجندات السياسية والطائفية في البرلمان العراقي.


وأشار، أن تعديل قانون الأحوال الشخصية يهدد بتقويض المبادئ التي قام عليها منذ عام 1959، إذ كان القانون يمثل نقلة نوعية في حماية حقوق المرأة وتوفير إطار قانوني موحد بعيدًا عن الانقسامات المذهبية.


ويضيف مغازي: أن استثناء بعض الجرائم من قانون العفو العام يمثل سلاحًا ذا حدين، حيث قد يمنع الإفراج عن مرتكبي الجرائم الخطيرة، لكنه في الوقت ذاته يثير الشكوك حول الانتقائية في تطبيقه؛ مما قد يؤدي إلى تضاؤل ثقة المواطنين بالقضاء.


واختتم قائلاً: إن الأهم في هذه المرحلة هو ضمان الحوار الشفاف والشامل لإعادة بناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات، مشددًا على ضرورة تفادي اتخاذ قرارات تؤدي إلى مزيد من الانقسام الاجتماعي والسياسي.