غزة المنكوبة.. أحلام  الإعمار تصطدم بواقع الخراب

غزة المنكوبة.. أحلام  الإعمار تصطدم بواقع الخراب

غزة المنكوبة.. أحلام  الإعمار تصطدم بواقع الخراب
حرب غزة

بعد انتهاء حرب مدمرة استمرت لأشهر، وجد قطاع غزة نفسه يواجه واقعًا أشبه بالكابوس. مشاهد الدمار الشامل تخيم على كل زاوية من القطاع، حيث أصبحت المباني الشاهقة مجرد أطلال، والشوارع التي كانت تعج بالحياة تحولت إلى مسارات مهجورة يعلوها الغبار والركام.


بين الحصار القديم والحرب الأخيرة، ازدادت معاناة السكان لتصل إلى مستويات غير مسبوقة، وسط نقص حاد في الخدمات الأساسية ودمار طال البنية التحتية بشكل كارثي.


في ظل هذه الظروف القاتمة، يتطلع أهالي غزة إلى بصيص أمل في إعادة الإعمار، وسط وعود دولية وجهود متواضعة تثير التساؤل حول مدى إمكانية ترجمة هذه الوعود إلى واقع ملموس، هل ستكون غزة قادرة على النهوض من جديد؟ أم أن آمال الإعمار ستظل حبيسة التصريحات الدولية؟


غزة بعد الحرب


لم تعد غزة كما عرفها العالم قبل السابع من أكتوبر. الحرب الأخيرة تركت بصمات مدمرة على القطاع الذي كان يكافح للحفاظ على مظاهر الحياة رغم الحصار الممتد لعقد ونصف.


مع اندلاع القتال، تحولت الشوارع الحيوية مثل شارع عمر المختار إلى ساحات مهجورة تغطيها الأنقاض، فيما بدت المباني السكنية والمحال التجارية كأنها جزء من مشهد سينمائي لكارثة كبرى. 


الصور الجوية التي التقطتها وسائل الإعلام أظهرت مدى الخراب الذي حلّ بمناطق بأكملها، حيث لم تسلم البنية التحتية من الاستهداف المكثف، بما في ذلك المدارس والمرافق الحيوية.

الكارثة الصحية


شهد القطاع الصحي في غزة انهيارًا شبه كامل نتيجة استهدافه خلال الحرب الأخيرة، حيث تحول من خط دفاع أخير للسكان إلى رمز للعجز في مواجهة المأساة الإنسانية.


المستشفيات والمرافق الصحية التي كانت بالكاد تلبي احتياجات السكان في الأوقات العادية أصبحت الآن إما مدمرة بالكامل أو تعمل بشكل محدود وسط ظروف قاسية.


مستشفى كمال عدوان، الذي كان يقدم خدماته لسكان شمال القطاع، تعرض لقصف عنيف خلال إحدى الغارات الجوية؛ مما أدى إلى أضرار جسيمة في المبنى، وخروجه عن الخدمة تمامًا.


المشهد في المستشفى يعكس حجم المأساة؛ معدات مدمرة، غرف عمليات مهجورة، وأسرة مرضى تحولت إلى أنقاض.


الوضع الصحي في غزة لا يتوقف عند تدمير المستشفيات فقط؛ بل هناك نقص حاد في الأدوية الأساسية والمعدات الطبية؛ مما يضع العاملين في القطاع الصحي أمام تحديات غير مسبوقة.


في الوقت نفسه، تتفاقم الأوضاع مع انتشار الأمراض المرتبطة بتلوث المياه وسوء التغذية، حيث يعاني الأطفال وكبار السن من أمراض جلدية وأمراض الجهاز التنفسي بسبب الظروف المعيشية المتدهورة.


تقارير صادرة عن منظمات دولية، مثل منظمة الصحة العالمية، أشارت أن 70% من المرافق الصحية في غزة بحاجة إلى إعادة تأهيل فوري، وأن النقص في المولدات الكهربائية والأدوية يهدد حياة مئات المرضى، خاصة أولئك الذين يحتاجون إلى علاج مستمر مثل مرضى السرطان والفشل الكلوي.

وعود الإعمار.. بارقة أمل أم سراب؟


رغم مشاهد الدمار الواسع التي تخيم على غزة، يتمسك السكان بأمل ضعيف في إعادة الإعمار، مدفوعين بالوعود الدولية التي جاءت مع اتفاق وقف إطلاق النار الأخير. هذه التعهدات تضمنت وعودًا بمليارات الدولارات لإعادة بناء المنازل والمرافق المدمرة، إلا أن التحديات التي تواجه تنفيذ هذه الخطط تبدو أكبر بكثير من الوعود.


الأمم المتحدة نبهت أن عملية إعادة الإعمار لن تكون سهلة، مشيرة أن القطاع يحتاج إلى حوالي 15 مليار دولار لإصلاح الأضرار المادية والنفسية التي خلفتها الحرب.


كما حذرت من أن القيود المفروضة على دخول المواد الخام ومعدات البناء ستعيق التقدم بشكل كبير، خاصة في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ أكثر من 16 عامًا.


على الرغم من ذلك، يحاول سكان غزة المساهمة بأنفسهم في عمليات الإصلاح، حيث بدأت مبادرات شعبية تهدف إلى إزالة الركام وإصلاح الطرق بشكل مؤقت.


رجال الأعمال المحليون والمتطوعون من الشباب يقودون حملات لتنظيف الشوارع وإعادة بناء بعض المنشآت الحيوية، مؤكدين أن الاعتماد على الذات قد يكون الحل الوحيد في ظل التباطؤ الدولي.

إنعاش شامل


بحسب الدكتور صلاح هاشم، أستاذ التنمية والتخطيط، فإن إعادة إعمار غزة تواجه تعقيدات سياسية أكثر من كونها تحديات تقنية.


وأوضح هاشم - في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن المساعدات الدولية المقدمة إلى غزة غالبًا ما تكون مشروطة بمواقف سياسية؛ مما يجعل مسألة الإعمار رهينة لتوازنات دولية لا علاقة لها بالاحتياجات الملحة للسكان.

ويضيف الخبير: أن القضية تتجاوز مجرد إعادة بناء المنازل المدمرة أو إصلاح المرافق، مشيرًا أن أي خطة لإعادة الإعمار يجب أن تتضمن استراتيجيات طويلة الأجل لإحياء الاقتصاد المحلي، موضحًا أن الاقتصاد في غزة بحاجة إلى إنعاش شامل، بما في ذلك دعم الصناعات المحلية، وتوفير فرص عمل للشباب الذين يعانون من البطالة بنسبة تتجاوز 50%.

كما لفت إلى أهمية معالجة الأزمات النفسية التي يعاني منها السكان جراء سنوات الحرب والحصار.


وأضاف: من دون تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، سيبقى تأثير الحرب حاضرًا؛ مما يؤثر على الإنتاجية والتنمية في القطاع على المدى البعيد.

وأشار أستاذ التنمية والتخطيط، أن الحل لا يقتصر على التمويل الدولي، بل يحتاج أيضًا إلى رفع الحصار والسماح بحرية الحركة، مؤكدًا أن استعادة الحياة الطبيعية في غزة لن تتحقق بدون تدخلات سياسية جادة تضع حدًا للمعاناة الإنسانية.