لتوسيع نفوذها في إفريقيا.. ما أهداف ومخططات إيران في القارة السمراء؟

تسعي إيران لبسط مخططاتها في القارة السمراء

لتوسيع نفوذها في إفريقيا.. ما أهداف ومخططات إيران في القارة السمراء؟
صورة أرشيفية

تعتمد إيران سياسة هجينة في نفوذها داخل إفريقيا بين المذهب الشيعي والاقتصاد والعلاقات الثقافية والدعم العسكري؛ فهي تلجأ حاليًا إلى تطبيق فكرة “الجيوبوليتيك الشيعي”، ولكل دولة من الدول التي سعت إيران إلى توثيق علاقاتها معها مزايا مختلفة عن غيرها، فإريتريا مطلة على مضيق باب المندب، والسودان يربط بين شرق القارة وغربها بملتقى طرق حيوي يسهم في نشر التشيع مع الحركة التجارية والثقافية، أما دول غرب إفريقيا مثل نيجيريا والسنغال فتبدو متأهبة لتوطيد هذه العلاقات نظرًا لوجود بعض الحركات الإسلامية المساندة للمذهب الشيعي، وهناك أيضًا العلاقة مع جنوب إفريقيا التي ستستمر على الصعيد الاقتصادي نظرًا لمعدلات النمو الاقتصادي الكبيرة التي تمتلكها، وهذه السياسة الهجينة تعني أن إيران مستمرة في الحفاظ على علاقاتها ونفوذها داخل إفريقيا بصورة تعبر عن رؤية إستراتيجية قومية تخدم النفوذ السياسي والاقتصادي لإيران داخل القارة السمراء.

وذكرت دراسة لمركز فاروس المختص بالشؤون الإفريقية أنه بمجيء الحكومة الحالية في إيران، برئاسة إبراهيم رئيسي، دار الحديث عن توجهات جديدة للسياسة الخارجية الإيرانية، خاصة بعد انضمام إيران إلى “منظمة شنغهاي” في سبتمبر 2021، إلى جانب إعلان طهران سياسة خارجية جديدة تهتم بدول الجوار الإقليمي، ولاسيما تجاه آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز والخليج العربي.

السياسة الخارجية الإيرانية

قادت هذه السياسة الجديدة إلى التساؤل حول مستقبل السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول إفريقيا، لكن شواهد الأحداث تؤكد أن قارة إفريقيا ما زالت في دائرة السياسة الخارجية الإيرانية في إطار محاصرة أعدائها؛ فالتمدد الإيراني في إفريقيا هو جزء من تطويق إسرائيل، إلى جانب غايات اقتصادية وسياسية أخرى لإيران، مثلما نجد التمدد الإيراني في أميركا اللاتينية في إطار تطويق الولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب مآرب أخرى من هذه العلاقات.

وذكرت الدراسة أن هناك جانبا مهما في فهم السياسة الخارجية لإيران تجاه إفريقيا، وهو التمدد في فناء أعدائها؛ ما يعني أن إيران تمتلك البدائل للسلاح النووي، إذا ما خضعت طهران للاتفاق النووي وتعهدت بعدم امتلاك السلاح النووي، وهو ما يعني حاجتها لسلاح بديل رادع، وهو ميليشيات إيران في الخارج، ومنها في دول إفريقيا. وهذا يفسر دوافع إيران لنشر التشيع هناك.

وتفهم إيران السياسة المتأزمة بين الجزائر والمغرب، وهو ما تستغله في إدارة سياستها نحو إفريقيا، ولذلك نجد أن من ثمار هذا التقارب إعلان رئيس المجلس الشعبي الوطني في الجزائر، إبراهيم بوغالي، تنصيب مجموعة الصداقة الجزائرية-الإيرانية، إلى جانب الدور الجزائري في إفشال انضمام إسرائيل للاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، خاصة أن الجزائر عضو في اللجنة السباعية لمناقشة هذه المسألة، وبعدها عبّر السفير الإيراني في الجزائر، حسين مشعلجي ‌زاده، عن “تقديره للنجاح الذي حققته الدبلوماسية الجزائرية عندما تم تعليق قرار منح الكيان الصهيوني صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي”.

قاعدة ميليشيات

تقارير عديدة أكدت أنه لقد نجحت إيران في الاستفادة من الميليشيات الشيعية الموالية لها في العراق ولبنان، وتحويلها إلى قاعدة عسكرية لتأمين وإدارة مصالحها، وتتعزز هذه الاستفادة في مرحلة انفتاح بعض دول القارة السمراء على إسرائيل، إلى جانب حاجة إيران للمحافظة على امتلاك سلاح بديل للسلاح النووي.

وعلى غرار سياسة إيران مع دول أميركا اللاتينية، تعتبر الشعارات الإيرانية حول نصرة المستضعفين في مواجهة القوى الاستكبارية، كما تسميها إيران، من الأدوات الناجعة في إيجاد أرضية للنفوذ الإيراني داخل إفريقيا.

مخططاتها في إفريقيا 

وتهتم سياسة الرئيس الإيراني المحافظ، إبراهيم رئيسي، بتكرار تجربة حكومة الرئيس نجاد، التي وضعت إفريقيا في أولوية سياستها الخارجية. ولذلك قال رئيسي -خلال لقائه مع وزير خارجية دولة توجو (غرب إفريقيا)، “رابرت دوسي”، في 24 يناير 2022- “إن الدول الإفريقية تزخر بالمصادر الطبيعية والمناجم والموارد البشرية، وإن طهران ترغب في تمتين العلاقات مع هذه الدول في شتى المجالات خدمة للمصالح المشتركة، وإن الدول الغربية لديها نزعة استعمارية على مر التاريخ، وكانت تحاول استغلال الدول الإفريقية، واليوم تسعى وراء تحقيق مصالحها في هذه الدول لذلك فإن مساعي الشعوب الإفريقية لنيل الاستقلال قيمة، وإن نجاحهم يتوقف على التأكيد على الهوية الوطنية والثقافية ومواجهة تلك المطامع.

وإن كانت مثل هذه التصريحات تعبر عن مناصرة إيران لدول القارة السمراء؛ لكنها تكشف عن أهداف إيران من هذا التواجد داخل إفريقيا؛ التي تنصب نفسها بديلًا للقوى الغربية؛ والحالة النيجيرية شاهد على ذلك، فقد سعت طهران إلى استنساخ حزب الله اللبناني هناك، من خلال الشيعة هناك. فلم تكن تعرف نيجيريا شيئًا عن التشيع حتى عام 1980 بعد انتصار ثورة إيران، وتحول الشاب إبراهيم الزكزاكي الحاصل على بكالوريوس الاقتصاد من جامعة أحمدو بيلو في نيجيريا إلى المذهب الشيعي، وبدأ في نشره داخل البلاد بدعم مالي ولوجستي ودعائي كامل من قِبل إيران، ولم ينجح في تحقيق تقدم ملحوظ حتى عام 1995. 

ميليشيات إيران في إفريقيا

وتؤكد التقارير قيام الزكزاكي بتكوين ميليشيا عسكرية يقوم أعضاؤها طوال الوقت بالتدريب على القتال، وهو ما كشفه المحلل السياسي النيجيري محمد كبير عيسى في مقال له، لافتًا إلى أن الحركة الشيعية باتت دولة داخل الدولة، وأنها تقوم بإجراء تدريبات عسكرية لأعضائها؛ ما يكشف عن تدبير الشيعة لعمل ما في المستقبل.

وقد صدر تقرير عن معهد الشرق الأوسط في 2018 اعتبر أن إيران وجّهت “حزب الله” لزيادة تدريبه للنيجيريين لأملها في استخدام نيجيريا كقاعدة عمليات لشن هجمات وإحباط الطموحات الإسرائيلية والغربية في المنطقة.

وقد كشف التقرير، الذي نشرته المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، أن أسلحة إيران لجماعة الحوثي في اليمن يتم تهريبها بشكل ممنهج عبر خليج عدن إلى الصومال، وهو ما يدل على أن إيران تتخذ من إفريقيا قاعدة لعملياتها التخريبية الخارجية.

لقد تنامى النفوذ الإيراني في إفريقيا لدرجة أن صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية توقعت أن تقوم طهران بالانتقام لمقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، باستهداف المصالح الأميركية والإسرائيلية في إفريقيا؛ وذلك على عكس التوقعات بأن يكون الانتقام في العراق أو في منطقة الخليج.

قاعدة للتنافس

الطبيعة النامية لدول إفريقيا تمثل لإيران فرصة للتنافس الناعم، بعيدًا عن خشونة الصدام، وتكشف الحالة الإثيوبية نموذجًا على التنافس الناعم بين إيران وجارتها تركيا في إفريقيا، فمنذ اندلاع الصراع في منطقة تيجراي الإثيوبية، ادعى معارضو الحكومة احتمال استخدام الجيش الإثيوبي لطائرات دون طيار (درون) من قِبل قوات الدفاع الوطني. وقد سعت كل من أنقرة وطهران إلى استغلال الحرب هناك، بين الحكومة الإثيوبية والمجموعات المتمردة للتدخل في القارة الإفريقية خدمة لمصالحهما مستغلة حاجة أديس أبابا لسلاح الطائرات المسيرة.


وقد استغلت كل من طهران وأنقرة فقدان رئيس الحكومة الإثيوبية “آبي أحمد” للدعم الأميركي والغربي منذ أن اختار التحالف مع إريتريا، وتورط في جرائم حرب في إقليم تيجراي وذلك لبسط نفوذهما المتزايد في إثيوبيا.

سوق لإيران

ولفتت الدراسة أنه إذا نظرنا إلى الاقتصاد الإيراني المتدهور جراء العقوبات الغربية، فإن الأسواق الإفريقية تعد الخيار الأفضل للصادرات الإيرانية، خاصة أن هذه الأسواق لن تفتش عن المعايير القياسية؛ بل ستقبل أي منتج رخيص يلبي احتياجاتها، ولذلك تضع حكومة “رئيسي”، الأسواق هناك ضمن أولوياتها الاقتصادية. وقد كشف عضو لجنة البرنامج والميزانية في البرلمان الإيراني، مجتبى رضا خواه، أن حجم صادرات إيران إلى إفريقيا قد بلغت نحو 800 مليون دولار العام الماضي، رغم ظروف كورونا الصعبة؛ ما يدل على أهمية القارة الإفريقية في برنامج إيران الاقتصادي.

وتعتبر إفريقيا ضمن سياسة الدبلوماسية-الاقتصادية التي أعلنتها حكومة رئيسي منذ مجيئها؛ خاصة أن إفريقيا تمثل بيئة مناسبة للاستثمارات الإيرانية في إطار منافسة أقل حدة عن غيرها في مناطق أخرى مثل آسيا، فضلًا عن أن السياسة الاقتصادية هناك تتوازى مع أهداف الدبلوماسية السياسية التي تتخذ من إفريقيا منطقة لتمدد النفوذ الإيراني.