حرب غزة واحتمالاتها

شنت حماس حربا علي إسرائيل

حرب غزة واحتمالاتها
الكاتب والمفكر محمد سعيد الرز

الحرب الدائرة بين غزة والاحتلال الإسرائيلي أفرزت عدة وقائع من شأنها أن تحفر عميقا في مسار الصراع العربي الإسرائيلي الممتد منذ عام 1948 وحتى الآن.

 من أبرز هذه الوقائع أن إسرائيل لم تعد "جنة الأمن" لليهود في العالم حسبما دأبت الدعاية الإسرائيلية على تصوير نفسها ، فالكيان الذي يسقط فيه خلال ساعات قليلة أكثر من 300 قتيل و1900 جريح ربعهم بحالة حرجة مع أسر مئات من مواطنيه والسيطرة على عدد من مستوطناته ، هو كيان هش ، خاصة إذا كان المتسبب بهذا الزلزال هو منظمات قتالية وليس دولاً تملك ترسانات أسلحة ثقيلة ومتوسطة .

 ومن هذه الوقائع أيضا ، أن إسرائيل التي اعتاشت على المساعدة الغربية من بريطانيا أولاً ثم من الولايات المتحدة حتى الآن،  وقعت في فخ الخلل القائم حاليا بالمعادلات الدولية ، فالأولوية الأميركية خلال الحقبة الحالية تتمثل في محاولات مستميتة لإنقاذ أوكرانيا ، ومعها أوروبا كلها، كما أن إستراتيجيتها المعلنة هي مواجهة المارد الأصفر في الصين إضافة إلى ما تعانيه داخليا من تفاقم أزمتها الاقتصادية وتراكم دينها العام وتكاثر صراعاتها الداخلية ، وبالتالي فإن ما يمكن أن تقدمه لإسرائيل الآن سيكون زهيدا قياسا على ما كانت تقدمه سابقا . صحيح أن الرئيس جو بايدن أعلن تضامنه الكامل مع إسرائيل وحربها إلى النهاية لكن الإدارة الأميركية أجرت اتصالات مكثفة مع زعماء عرب للعمل على وقف نار فوري.

 وثالث هذه الوقائع أن المجتمع الإسرائيلي نفسه يشهد منذ فترة انقسامات حادة أبرزها بين الحكومة والجيش تمثلت في استقالات جنرالات واعتصام الطيارين الحربيين عن العمل وإمعان الحكومة الحالية في أقصى خطوات التطرف ضد المسجد الأقصى وإنكار أي حق للفلسطينيين بل والدعوات إلى إبادتهم.  ومن الوقائع المهمة أيضا أن إسرائيل التي عملت منذ ما يسمى بالربيع العربي عام 2011 على تهميش القضية الفلسطينية بعد إشغال العرب بعضهم ببعض واصطناع قضايا صراعية وخلافية داخل عدد من البلدان العربية ، إذا بها تفاجأ اليوم بأن القضية الفلسطينية التي ظنت أنها تحتضر ، تنبعث بقوة وتتقدم الصفوف في اهتمامات مراكز القرار الإقليمية والدولية ، وأكثر من ذلك عادت قضية فلسطين لتتصدر اهتمام الشعوب العربية وأنظمتها. 

 ما هو المتوقع الآن؟ الاحتمالات كثيرة، ومن أبرزها تهاوي حكومة نتنياهو بعد أخطائها المميتة استخباريا ولوجستيا وتعاظم ظاهرة الهجرة اليهودية المعاكسة إلى خارج إسرائيل . 

ثانيا، أن الحرب الدائرة يبدو أنها ستطول بل ستفتح جبهات جديدة ، وبالفعل فإن جبهة الجنوب اللبناني قد تحركت هذا الصباح إثر قصف مواقع للقوات الإسرائيلية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة وتبني حزب الله هذه العمليات فيما تفيد الأنباء الواردة من بيروت أن المقاومة هناك سوف تعمل على تحرير هذه المناطق تحت شعار أنها أرض لبنانية محتلة . وليس من شك في أن فتح جبهة الجنوب اللبناني سوف يؤدي إلى مزيد من إرهاق الجيش الإسرائيلي ونقل المعركة من حدود غزة إلى محور إقليمي واسع . 

وهنا ينبغي دراسة الموقف الروسي الصادر عن وزارة الخارجية، ومفاده أن المقاومين في غزة يسترجعون أرضهم في غلاف غزة . ماذا بعد؟ التوقعات تفيد بأيام ممتدة صعبة تضع المنطقة بأسرها على مفترق طرق مليئة بالمخاطر وبالتحولات القاسية .