الزحف على طرابلس.. عودة الميليشيات تهدد خارطة الطريق الأممية
الزحف على طرابلس.. عودة الميليشيات تهدد خارطة الطريق الأممية

في قلب العاصمة الليبية طرابلس، عاد صوت السلاح ليعلو فوق لغة السياسة، معلنًا عن فصل جديد من فصول الفوضى المزمنة، لم تعد الاشتباكات المسلحة أحداثًا استثنائية في المدينة التي تعيش على وقع الأزمات، بل باتت مؤشرًا متكررًا على اختلال موازين القوى وغياب المرجعية المركزية.
الانتشار الكثيف للمليشيات المدججة بالسلاح، والتي تسلّلت إلى طرابلس من مدن الزاوية والزنتان ومصراتة، أثار ذعر السكان وأربك المشهد الأمني، وكشف عمق الخلافات بين قادة الجماعات المسلحة وحكومة عبدالحميد الدبيبة، وبينما تسعى وزارة الدفاع لعقد اجتماع عاجل لاحتواء الأزمة، تتزايد المؤشرات على أن ما يجري هو أكثر من مجرد استعراض عابر للقوة؛ إنه تمهيد لفرض وقائع سياسية جديدة قبل أي استحقاق انتخابي قادم. في ظل الغموض المحيط بمستقبل المرحلة الانتقالية، يطرح المشهد الليبي سؤالًا خطيرًا: هل نحن أمام تسوية مرتقبة، أم انهيار وشيك؟
*تصعيد عسكري في قلب العاصمة*
عاشت طرابلس خلال الساعات الماضية واحدة من أكثر لحظاتها اضطرابًا منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020.
فقد شهدت المدينة انتشارًا مكثفًا لمجموعات مسلحة تابعة لميليشيات مختلفة، بعضها قدم من خارج العاصمة على متن عربات عسكرية ثقيلة.
وبحسب شهود عيان، تركزت التحركات في مناطق حيوية مثل' طريق المطار، وصلاح الدين، وعين زارة، حيث شوهدت أرتال مسلحة تتخذ مواقع استراتيجية؛ ما أثار حالة من الذعر بين المدنيين وأجبر العديد منهم على البقاء في منازلهم.
*أزمة سياسية تلوح في الأفق*
مصادر ليبية مطّلعة تشير أن هذا التحرك العسكري يعكس خلافات متصاعدة بين قيادات مسلحة نافذة والحكومة المؤقتة بقيادة عبدالحميد الدبيبة.
وفي ظل حديث متزايد عن تغييرات محتملة في هيكل السلطة التنفيذية، تحاول تلك الميليشيات – وفق مراقبين – تثبيت مواقعها بالقوة ضمن أي صفقة سياسية قادمة، لا سيما في ضوء مساعي الأمم المتحدة للدفع نحو انتخابات وطنية تتطلب تشكيل حكومة موحدة تحظى بتوافق أوسع.
*محاولة لاحتواء الغضب المسلح*
في مواجهة هذا التصعيد، سارعت وزارة الدفاع الليبية إلى دعوة قادة الميليشيات المتنازعة إلى اجتماع طارئ مع وكيل الوزارة.
ورغم الطابع الطارئ لهذا اللقاء، فإن مصادر مقربة من دوائر القرار أبدت شكوكها في قدرة الاجتماع على تهدئة الأوضاع، في ظل ما وصفته بـ"انعدام الثقة المتبادل بين المجموعات المسلحة وعدم وجود سلطة تنفيذية قادرة على فرض قراراتها".
*المشهد الدولي.. مراقبة بصمت؟*
على الصعيد الخارجي، تراقب البعثة الأممية في ليبيا التطورات عن كثب، وسط خشية من انهيار المسار السياسي برمّته.
فالتقارير الأخيرة الصادرة عن لجنة المتابعة الدولية أوصت بتشكيل حكومة موحدة قبل إجراء الانتخابات المؤجلة، وهو ما تعتبره المليشيات تهديدًا مباشرًا لنفوذها، خاصة إذا ما جاءت تلك الحكومة من خارج معادلة "توازن الرعب" السائدة.
*الميليشيات والمعادلة الليبية*
من جانبه، يقول د. يوسف الفارس أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنغازي: إن ما يجري هو محاولة من الجماعات المسلحة لإعادة رسم حدود النفوذ قبل الدخول في أي مفاوضات جديدة.
ويضيف الفارسي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الميليشيات تدرك أن تسويات ما بعد الحرب لا تأتي إلا لمن يملك القوة على الأرض، مضيفًا، بالتالي، فإن التحرك الأخير ليس إلا رسالة مزدوجة إلى الداخل والخارج: لا يمكن تجاونا.
ولفت أستاذ العلوم السياسية، إلى أن الأرتال القادمة من مدن كبرى كـ الزاوية والزنتان ومصراتة، تشير إلى "تفاهمات عسكرية ميدانية" قد تشكل نواة لتحالف جديد، يتجاوز الحسابات السياسية التقليدية، ويضع القوة العسكرية في موقع المرجعية بدلًا من الحوار والمؤسسات.
محذرًا من أن القلق الأكبر هو ما إذا كانت هذه التطورات ستطيح بالجهود الأممية الرامية لإجراء الانتخابات المؤجلة منذ ديسمبر 2021.
فعودة التوترات الأمنية بهذا الشكل العنيف تنذر بإعادة ليبيا إلى نقطة الصفر، حيث لا مجال لبناء مسار ديمقراطي مستقر في ظل انتشار السلاح خارج الدولة، وتضارب المصالح بين الفاعلين المحليين والدوليين.
وتابع أستاذ العلوم السياسية: أن طرابلس – وربما ليبيا ككل – تتجه نحو مفترق حاسم: إما أن ينجح الداخل الليبي والداعمون الدوليون في إعادة ضبط الإيقاع الأمني عبر توافق جديد، أو أن يتفكك الهامش الضئيل المتبقي من الاستقرار تحت أقدام الجماعات المسلحة، وفي كلتا الحالتين، يبدو أن رصاص الميليشيات سبق مجددًا الحبر المنتظر لاتفاق سياسي.