سنة الحروب والاغتيالات وسقوط حزب الله.. كيف تغيّر وجه لبنان في 2024؟
سنة الحروب والاغتيالات وسقوط حزب الله.. كيف تغيّر وجه لبنان في 2024؟

في عام 2024، شهد لبنان تحولات دراماتيكية تجاوزت كل التوقعات، إذ تعاقبت الأحداث المفصلية التي دفعت البلاد إلى حافة الهاوية، لم يكن العام مجرد امتداد للأزمة السياسية التي بدأت بشغور كرسي الرئاسة منذ أكثر من عامين، بل تحول إلى مسرح لصراعات داخلية وخارجية أرهقت كاهل الدولة والمواطنين على حد سواء، من الانخراط في حرب إسناد غزة، مرورًا باغتيال حسن نصر الله وما تبعه من استهداف لقيادات حزب الله، وصولًا إلى توقيع اتفاق أمني لبناني-إسرائيلي تحت وطأة الانهيار السياسي والعسكري، كان لبنان على موعد مع صدمات متلاحقة، ومع نهاية العام، جاء السقوط المفاجئ لنظام الرئيس بشار الأسد ليضيف بعدًا جديدًا لأزمة حزب الله، الذي بدا أضعف سياسيًا وعسكريًا من أي وقت مضى.
تصعيد تدريجي
شهد لبنان عام 2024 انخراطًا عميقًا في حرب وصفتها الأطراف المعنية بـ"حرب الإسناد والإشغال" لدعم غزة، لكن تداعياتها تجاوزت كل الحسابات.
استهلت الحرب بتصعيد تدريجي قاده حزب الله، الذي حاول فرض استراتيجياته العسكرية على الحكومة اللبنانية رغم التحذيرات الدولية.
وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية التي بذلها موفدون دوليون وسفراء، إلا إن الحكومة اللبنانية بدت عاجزة عن لجم تصعيد حزب الله أو إيقاف انجراره إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل.
اغتيالات وتصعيد.. خفايا الحرب ضد حزب الله
كانت نقطة التحول الكبرى في الحرب هي بدء إسرائيل حملة اغتيالات ممنهجة استهدفت قادة حزب الله الأمنيين والعسكريين في يوليو 2024. بدأت العمليات بضربات دقيقة شملت اغتيال قيادات بارزة عبر هجمات مركزة على مواقعهم السرية.
إضافة إلى ذلك، استخدمت إسرائيل تقنيات سيبرانية متطورة لتعطيل أجهزة ومعدات الحزب. إحدى أبرز هذه العمليات تضمنت تفجير آلاف العبوات الناسفة التي كانت بحوزة الحزب أو قيد التجهيز؛ مما أدى إلى مقتل المئات من مقاتليه في لحظات.
استهدفت هذه الهجمات العناصر القيادية في الصف الأول وألحقت أضرارًا جسيمة بمخازن الأسلحة ومنصات الصواريخ.
أبرز العمليات كان استهداف قادة بارزين أثناء اجتماعات سرية؛ مما أسفر عن مقتل شخصيات مثل قائد العمليات العسكرية وعدد من مسؤولي التنسيق مع إيران.
ومن بين الضحايا أيضًا السفير الإيراني في لبنان، الذي قضى خلال عملية مُحكمة أربكت الدوائر الاستخباراتية الإيرانية وحزب الله.
اغتيال "نصر الله".. زلزال سياسي وعسكري
في سبتمبر 2024، نفّذت إسرائيل عملية اغتيال نوعية استهدفت الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، والذي كان قد وافق بشكل مبدئي على هدنة مؤقتة قبل مقتله.
العملية أثارت دهشة الأوساط السياسية والعسكرية نظرًا لدقة التخطيط والتنفيذ، حيث تم استهداف نصر الله في مكان يعتقد أنه محصن وغير مكشوف استخباراتيًا.
لم يمضِ وقت طويل حتى أُعلن عن مقتل خليفته هاشم صفي الدين، الذي حاول الإمساك بزمام الأمور في ظل الفوضى التي عمّت صفوف الحزب.
خسرت قيادة حزب الله بشكل متسارع رموزها الأساسية؛ مما أدى إلى حالة من الشلل التنظيمي والعسكري.
إلى جانب الخسائر البشرية، أسفرت العمليات عن دمار واسع في البنية التحتية، خاصة في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي تعرضت لقصف مكثف استهدف مراكز قيادة ومخازن أسلحة ومنشآت لوجستية.
كذلك، شهد الجنوب اللبناني تدميراً ممنهجاً للقرى والبنية التحتية المدنية، ما أضاف أعباءً اقتصادية وإنسانية هائلة على السكان.
تحت وطأة هذه الخسائر الفادحة، وجد الحزب نفسه مضطرًا للقبول بوقف إطلاق النار، لكن بشروط فرضتها إسرائيل بدعم دولي، وهو ما شكّل نهاية مرحلة من قوته العسكرية وفتح الباب أمام تحول جذري في توازن القوى داخل لبنان.
اتفاق أمني وتداعياته.. قواعد جديدة للصراع
أفضت سلسلة من المفاوضات المعقدة التي قادها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، إلى توقيع اتفاق أمني تحت رعاية الولايات المتحدة في نوفمبر 2024.
الاتفاق جاء ليعيد تفعيل القرار الأممي 1701 الذي كان يحكم الوضع في جنوب لبنان منذ عام 2006، لكنه تضمن تعديلات جوهرية.
أبرز هذه التعديلات تمثلت في منح إسرائيل حرية التحرك العسكري داخل الأراضي اللبنانية، بهدف تعقب نشاط حزب الله ومنع إعادة بناء منظومته العسكرية، سواء على مستوى القيادة أو القواعد. هذا البند أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية اللبنانية، كونه يعد انتهاكاً واضحاً للسيادة الوطنية، لكنه مرّ تحت ضغط دولي وميداني هائل فرضه توازن القوى المختل بعد الحرب.
مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ، بدأت إسرائيل بتنفيذ انسحاب تدريجي من بعض المناطق الحدودية، لكن العملية لم تكتمل بعد رغم مرور شهر على الاتفاق.
في المقابل، شرع الجيش اللبناني في إعادة الانتشار جنوب نهر الليطاني، لكنه لم يغطي كامل المناطق المنصوص عليها في الاتفاق.
هذا التأخير أثار مخاوف من إمكانية تدهور الوضع الأمني مجددًا، خصوصًا في ظل هشاشة الوضع السياسي الداخلي والانقسامات حول بنود الاتفاق.
سقوط نظام الأسد.. تداعيات إقليمية واسعة
بينما كان لبنان يترنح تحت وطأة الحرب والاتفاقيات الأمنية، جاء سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد كحدث مفاجئ زلزل المشهد الإقليمي.
انهيار النظام السوري لم يكن مجرد تطورًا داخليًا، بل كانت له انعكاسات مباشرة على حزب الله، الذي اعتمد لعقود على سوريا كقناة لوجستية حيوية تصل بينه وبين إيران.
مع انهيار النظام، فقد حزب الله خطوط الإمداد الأساسية التي كانت تمده بالأسلحة والتقنيات العسكرية المتطورة والدعم اللوجستي.
هذا القطع لم يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل امتد ليشمل الدعم السياسي والإعلامي الذي وفرته دمشق للحزب في المحافل الإقليمية والدولية.
وجد الحزب نفسه فجأة معزولاً في معركته، حيث أصبح يواجه تحديات مضاعفة في إعادة ترتيب أوراقه داخليًا وخارجيًا.
ضعف الدعم الإيراني، نتيجة العقوبات والحصار الدولي، ضاعف من أزمة الحزب الذي بدا عاجزًا عن التكيف مع التحولات الجديدة.
على المستوى الإقليمي، أدى سقوط الأسد إلى إعادة رسم خارطة النفوذ، حيث انكمش نفوذ إيران في المنطقة بشكل كبير، مما أعطى إسرائيل وحلفاءها مساحة أكبر للتحرك بحرية في لبنان وسوريا، وهو ما زاد من تعقيد الأوضاع لحزب الله وعمّق أزمته.
أبعاد سياسية واجتماعية
لم تكن هذه التطورات مجرد انعكاس لصراع عسكري؛ بل كشفت هشاشة الوضع السياسي في لبنان. فقد استمر شغور كرسي الرئاسة للعام الثالث، فيما فشلت المبادرات الدولية والإقليمية في تحقيق توافق داخلي حول انتخاب رئيس جديد.
كما تأزمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية نتيجة التداعيات الكارثية للحرب، التي ألحقت أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية وأسهمت في تفاقم معاناة المواطنين.
مع نهاية 2024، يقف لبنان أمام مفترق طرق، فبينما يُظهر الواقع الميداني ضعف حزب الله وتراجع نفوذه، يبقى التساؤل حول قدرة الدولة اللبنانية على استعادة سيادتها وبناء مؤسساتها وسط هذه التحديات الهائلة.