اليمن على شفا المجاعة.. 116 منظمة تحذر من العام الأصعب
اليمن على شفا المجاعة.. 116 منظمة تحذر من العام الأصعب

بينما يوشك العام 2025 على دخول منتصفه، يتجه اليمن بخطى متسارعة نحو هاوية إنسانية غير مسبوقة، فوسط أزمة ممتدة منذ أكثر من عقد، وانهيار اقتصادي متسارع، وغياب أي أفق سياسي واضح، وجدت أكثر من مئة منظمة أممية وأهلية نفسها مضطرة لدق ناقوس الخطر.
في بيان مشترك، أطلقت 116 جهة إنسانية تحذيرًا صارخًا من "أصعب عام قد يشهده اليمن حتى الآن"، في ظل تنامي الاحتياجات، وتضاؤل المساعدات الدولية إلى مستوى لا يكفي سوى لتلبية أقل من 10% من خطة الاستجابة لهذا العام.
هذه الصرخة الجماعية، التي سبقت اجتماعًا إنسانيًا رفيع المستوى في بروكسل، لا تقتصر على رصد الكارثة فحسب، بل تحمّل المجتمع الدولي مسؤولية عاجلة: التحرك الفوري لوقف التدهور، وتأمين تمويل يعيد الحياة إلى برامج الإغاثة المتوقفة، ويمنع ملايين اليمنيين من الانزلاق إلى الجوع والفقر المدقع.
*تمويل متآكل ومساعدات تتبخر*
في سابقة توحي بحجم الخطر الداهم، اجتمعت 116 منظمة، أممية ومحلية، لتطلق بيانًا موحدًا تحذر فيه من كارثة إنسانية تزداد قتامة في اليمن.
جاء البيان عشية اجتماع مرتقب في بروكسل لكبار مسؤولي العمل الإنساني، بهدف الدفع نحو إجراءات طارئة أمام ما وصفته المنظمات بـ"عام مفصلي" في مسار الأزمة اليمنية.
يُعد انخفاض التمويل أبرز ملامح التحدي الراهن، إذ لم يُموَّل من خطة الاستجابة الإنسانية لليمن حتى اللحظة سوى 10% فقط، رغم مرور ما يقارب خمسة أشهر على بداية العام.
هذا الشحّ المالي ليس مجرد رقم، بل واقع يترجم يوميًا إلى انقطاع المساعدات الغذائية، توقّف دعم مراكز الرعاية الصحية، وتجميد مشاريع المياه والصرف الصحي في مناطق تشهد أعلى معدلات سوء التغذية في العالم، خصوصًا بين الأطفال والنساء الحوامل.
بحسب البيان المشترك، فإن "تقلص الدعم يهدد حياة الملايين"، لا سيما النازحين داخليًا الذين تجاوز عددهم 4.5 مليون شخص، إضافة إلى مجتمعات محاصرة في مناطق النزاع، تعاني من شح الغذاء وغياب الخدمات الأساسية، دون أدنى مقومات للبقاء.
*الحرب والمناخ والانهيار الاقتصادي*
ما يفاقم الوضع أن الأزمة في اليمن لم تعد ناتجة عن الحرب وحدها، فالبلاد تواجه سلسلة من الصدمات المتداخلة، بدءًا من تداعيات النزاع المسلح المستمر منذ أكثر من عشر سنوات، مرورًا بانهيار الاقتصاد الوطني، وانتهاءً بالآثار القاسية لتغيّر المناخ.
أمطار جارفة، فيضانات مدمّرة، جفاف غير مسبوق، كلها تضرب قطاع الزراعة، الذي يمثل شريان الحياة لملايين اليمنيين، في بلد يستورد أكثر من 80% من غذائه.
وأمام ضعف البنية التحتية وانهيار شبكة الخدمات، تتحول كل أزمة مناخية إلى مأساة بشرية يصعب احتواؤها.
*فئات منهكة تتحمل العبء الأكبر*
البيان حذّر من أن الفئات الأضعف النساء، الأطفال، النازحون، اللاجئون، والمجتمعات المهمشة هم الأكثر تضررًا من تقلص الدعم.
في كثير من المناطق، تخلّت الأسر عن وجبات كاملة، أو اضطرت لتزويج بناتها في سن مبكرة، أو سحبت أطفالها من المدارس، في محاولات يائسة للبقاء.
ووفقًا لتقارير حديثة، فإن واحدًا من كل خمسة أطفال في اليمن يعاني من سوء تغذية حاد، بينما تواجه آلاف الأمهات خطر الوفاة أثناء الولادة نتيجة نقص الرعاية الطبية.
*المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي*
في هذا السياق، تبدو الدعوة إلى "تحرك عاجل وجماعي" بمثابة اختبار حاسم للمجتمع الدولي، فاليمن لا يحتاج فقط إلى استئناف الدعم الطارئ، بل إلى مقاربة شاملة تعالج الأسباب الجذرية للأزمة: الفقر، انعدام التنمية، التهميش السياسي، والجمود في مسارات السلام.
المنظمات الموقّعة على البيان طالبت بزيادة الاستثمارات في مشاريع إنمائية طويلة الأجل، تضمن الوصول إلى الخدمات الأساسية، وتفتح آفاقًا اقتصادية للسكان المحليين، بدلًا من الاعتماد المزمن على المساعدات.
تُسلّط الأنظار الآن على بروكسل، حيث يُرتقب أن يعقد الاتحاد الأوروبي اجتماعًا موسعًا لمناقشة الوضع الإنساني في اليمن.
وسيكون على القادة الأوروبيين اتخاذ قرارات لا تقتصر على ضخّ الأموال، بل تشمل تجديد الالتزام السياسي بدفع مسارات التسوية السلمية، ووقف تدخلات تعمّق الانقسام، وتمنح أطراف النزاع مزيدًا من الوقت على حساب المدنيين.
وفي حال فشل الاجتماع في تأمين تمويل كافٍ، أو توفير خارطة طريق إنسانية قابلة للتنفيذ، فإن اليمن مقبل على أشهر قاسية، قد تتحول فيها المجاعة من خطر متوقّع إلى واقع لا يمكن تداركه.