أردوغان وإسرائيل.. مسرحية هزلية علنية عن الهجوم وتعاوُن ضخم خفيّ!
عرض مسرحي مستمر واستعراض تمثيلي، يصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على اتباعه وتنفيذه طوال الوقت، من خلال تصريحاته المزعومة بعداوته ورفضه للمواقف الإسرائيلية، ليتاجر بالقضية الفلسطينية من أجل كسب تعاطف المجتمع العربي والتقرب له، بينما في الحقيقة يوجد تعاون ضخم بين الطرفين في مختلف المجالات يصل للمليارات، فضلاً عن دعم باطني بالعديد من القضايا.
خطاب الأمم المتحدة
واستمرارًا لذلك الأداء المسرحي، أطلق أردوغان الادعاءات وحاول التقرب للمجتمع العربي من خلال مزاعم غير صحيحة، خلال كلمته أمس في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 75، الافتراضية التي ناقشت جائحة "كورونا".
ونشر الرئيس التركي كلمته بالاجتماع الأممي على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي، تويتر والتي زعم فيها مهاجمته لإسرائيل واتفاق السلام وقمع الفلسطينيين، مؤكدًا على موقف تركيا مما يجري، وهو ما دفع السفير الإسرائيلي للانسحاب.
وادّعى أردوغان تعاطُفه مع الشعب المحتل، قائلاً إن فلسطين هي الجرح النازف للإنسانية في ظل استمرار سياسة العنف الإسرائيلية، مضيفًا أن حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي لن يكون إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وتابع "عندما رفض الشعب الفلسطيني وثيقة الاستسلام التي فرضت عليه، والتي تسمى صفقة القرن، فإن إسرائيل لجأت هذه المرة لاستخدام عملائها لتسريع عملية الاستيلاء على الأرض من الداخل"، رافضًا القمع والعنف اللذين يتعرض لهما الفلسطينيون على يد الاحتلال منذ أكثر من نصف قرن، ومحاولة فرض واقع جديد في القدس المحتلة، قائلاً "اليد القذرة التي تمتد للقدس حيث توجد الأماكن المقدسة للأديان الثلاثة تزيد من وقاحتها".
كما هاجم الاتفاق الثلاثي الذي أنجزته الإمارات مع أميركا وإسرائيل، قال أردوغان: إن محاولة البعض في المنطقة الدخول كلاعب لن تفيد شيئًا أمام محاولة إسرائيل تغيير واقع المنطقة، منتقدًا في الأثناء بلدانًا أعلنت أنها ستفتح سفارات لها في القدس المحتلة.
اعتراض المندوب الإسرائيلي
وعقب ذلك، انسحب "جلعاد أردان" مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة من القاعة الأممية في نيويورك.
ونقلت صحيفة "جوروساليم بوست" الإسرائيلية على لسان "أردان" قوله: "أردوغان يواصل كذبه وبياناته المعادية للسامية ضد إسرائيل، ومن المهم أن يعلم العالم معاييره المزدوجة التي يعيشها على مدى سنوات".
كما نشر الإعلامي الإسرائيلي، "شمعون أران" مقطع الفيديو المتداول بتعليق قال فيه: "شاهِدوا.. مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان يغادر القاعة أثناء الهجوم والاتهامات الباطلة للرئيس التركي أردوغان حيال إسرائيل.. أردان: "لن أسمح لأردوغان الديكتاتور قاتل الأكراد، منكر إبادة الأرمن والمتعاون مع مخربي حماس أن يشوه سمعة إسرائيل".
ادّعاءات سابقة
وقبل حوالي شهر، كان العالم على موعد مع مشهد آخر من مسرحية أردوغان، ومتاجرته بفلسطين بالتعاون مع الرئيس "محمود عباس أبو مازن"، في محاولة لكسب ود الشارع، فتارة بزعم تقديم مساعدات، وتارة أخرى ينظم حزب العدالة والتنمية الحاكم بصفة مستمرة تظاهرات في إسطنبول دعمًا للقضية الفلسطينية، ولكن في المقابل يقام احتفال سنوي في السفارة الإسرائيلية بأنقرة بذكرى تأسيس الدولة العبرية، ما يعكس ازدواجية واضحة بتركيا.
وسبق أن كشفت الأمم المتحدة بدورها المزاعم التركية، حيث لم يتضمن تقرير لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين اسم تركيا من بين الدول الأكثر دعمًا للوكالة، وهو ما كان صفعة على وجه أردوغان وفضحًا لموقفه حينها.
حقيقة العلاقات بين تركيا وإسرائيل في عهد أردوغان
يتحدث التاريخ فيكشف حقيقة تركيا منذ البداية، فلقد كانت أنقرة أول دولة ذات غالبية مسلمة تعترف بإسرائيل عام 1949، ومع تولي حكومة العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا عام 2002، سعت لتعزيز الاتفاقات السابقة مع إسرائيل.
وفي عام 2005، زار رئيس الوزراء التركي حينها "رجب طيب أردوغان" إسرائيل، التي شهدت توطيدا ضخما للعلاقات، ومن ثم بدأ مسلسل الخطابات العدائية الزائفة، حيث ادّعى أردوغان انسحابه من قمة "دافوس" بزعم خلافات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها "شمعون بيريز"، ثم بعد عام كرر العداء المزعوم لإسرائيل، في حادثة السفينة "مرمرة" التركية.
وفي الحقيقة فإن تركيا تعد ثاني دولة بعد الولايات المتحدة تحتضن أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي، حيث إنه في عام 2015 وقعا اتفاقيات عسكرية وصلت لأكثر من ثلاثة مليارات دولار، كما تعتبر شركات الطيران التركية أكبر ناقل الجوي من وإلى إسرائيل، وسبق أن روجت أنقرة للسياحة في تل أبيب بطريقة مثيرة للجدل.
فيما تجاوز حجم التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب عام 2019 حاجز الأربعة مليارات دولار، فضلاً عن إرسال أنقرة أكثر من مليون طن أسمنت لإسرائيل عام 2018 لبناء المستوطنات.
وتشهد العلاقات بين إسرائيل وتركيا انتعاشًا وازدهارًا جديدًا من نوعه، فبالتزامن مع تنصيب رجب طيب أردوغان رئيسًا لتركيا، وصل إلى إسرائيل الملحق التجاري التركي الجديد بعد فراغ المنصب لأعوام في سفارة أنقرة في تل أبيب، فضلاً عن تقوية المجال التجاري، بينما تبحث السفارة التركية عن ملحق صحفي، سيتم إعادته إلى السفارة الإسرائيلية أيضًا.
كما تداولت بعض وسائل الإعلام التركية وثائق تثبت أن أردوغان أول من اعترف بأن مدينة القدس المحتلة هي عاصمة إسرائيل، وذلك من خلال تسريب نص الاتفاق الموقع بين تركيا وإسرائيل لتوطيد العلاقات في إبريل 2016، وتضمنت البنود، اتفاق دفع إسرائيل 20 مليون الدولار أميركي لأسر ضحايا سفينة "مافي مرمرة" الذين استشهدوا على يد القوات الإسرائيلية في 31 مايو عام 2010، وهو ما اعتبرته المعارضة التركية بمثابة المتاجرة بدماء الضحايا، بالإضافة إلى عودة التنسيق الاستخباراتي والتعاون الأمني بين أنقرة وتل أبيب ، واستمرار إسرائيل في صيانة الطائرات الحربية التركية والعودة لإبرام عقود أسلحة متطورة، وعودة سفراء البلدين، وشمل الاتفاق كذلك تعهدا مشتركا بعدم إقدام أحدهما على عمل يضر الآخر.
منذ عام 2002 وحتى 2017، رغم تنديد أردوغان بقرار نظيره الأميركي دونالد ترامب، بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، إلا أن الأرقام الرسمية عن وزارتَي التجارة بالبلدين كشفت ارتفاعها بنسبة 2.5 ضعف، وزيادة الصادرات بقيمة 3 أضعاف، والواردات بنسبة 1.8 ضعف، وفي الأشهر الأخيرة الماضية، زاد حجم التبادل التجاري بشدة بين تركيا وإسرائيل، فضلا عن إعادة الملحق التجاري لتل أبيب مرة أخرى، وفقًا لصحيفة "زمان" التركية.
ومع بداية عام ٢٠١٨، زادت الحركة الاقتصادية عن ذلك الوقت مرة أخرى، بارتفاع 3% في الصادرات و1% في الواردات و2% في التبادل التجاري، حيث إنه في إبريل 2018، وصلت إلى إسرائيل أكبر بعثة تجارية عرفتها مؤخرًا، فهذه البعثة التجارية التركية الرسمية هي أكبر بعثة تصل إلى إسرائيل منذ اتفاق المصالحة الإسرائيلية التركية عام 2016، حيث كانت تضم 100 ممثل عن شركات تركية من قطاعات أعمال مختلفة في منتدى المصالح التجارية حول العلاقات التجارية الإسرائيلية التركية، وأجروا لقاءات تجارية مع شركات إسرائيلية، بهدف إنشاء تعاون اقتصادي واسع.
فيما قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إن العلاقات التجارية بين إسرائيل وتركيا منتعشة ومزدهرة مؤخرًا للغاية، رغم التوترات الدبلوماسية بين البلدين، مشيرة إلى أن حجم التبادل التجاري في عام 2017، وصل تقريبًا إلى 2856 مليون دولار.
وفي نوفمبر 2017، شهدت إسرائيل موجة حرائق ضخمة، بمستوطنات الضفة الغربية المحتلة في باتح تكفا وريشون لتسيون، وفي ذلك الوقت سارعت تركيا لمساعدتها لتكون من أوائل الدول، حيث أرسلت 3 طائرات إطفاء كبيرة للمساعدة في إخماد الحرائق، وكانت الحكومة التركية أول المقدمين للمساعدات من أجل إخماد الحرائق، ومن ناحيته أشاد بذلك رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، مؤكدًا أنه يثمن هذا العرض والمساعدة التي تقدمها الحكومة التركية.
ولم يقتصر الأمر على ذلك الحد، ولكن أطلقت تركيا شعارًا للترويج إلى السياحة بإسرائيل بعنوان "اكتشف إسرائيل"، حيث تعتبر الخطوط الجوية التركية ثاني أكثر الناقلات شعبية من تل أبيب بعد شركة النقل الوطنية الإسرائيلية، ووفقًا لبيانات رسمية يوجد أكثر من 12 رحلة يومية تخرج من تل أبيب إلى إسطنبول، مقسمة بين الخطوط الجوية التركية والطيران التركي المنخفض التكلفة.