"كورونا والنفط ورمضان" ثلاثي يحاصر المواطن الجزائري ويزيد معاناته

صورة أرشيفية

منذ بداية تفشي وباء "كورونا" في العالم ويعيش المواطن الجزائري سلسلة لا تنتهي من المعاناة، الاقتصاد المتداعي المعتمد على النفط اعتمادًا كليًا لم يستطع الصمود في وجه الإجراءات الاحترازية اللازمة لمحاصرة الفيروس القاتل ثم جاء شهر رمضان بما يحمله من التزامات مادية ليزيد من معاناة المواطن الجزائري خاصة من الطبقة المتوسطة والفقيرة الذين باتوا يصارعون غلاء المعيشة براتب شهري زهيد أو بلا رواتب على الإطلاق بعد أن كانوا يعيشون بدخل يومي بالكاد يغطي نفقات يومهم من احتياجات أساسية، هؤلاء اعتمدوا بشكل أساسي على الاقتراض دون أمل في السداد خاصة مع تأكيدات الخبراء حول العالم أن أزمة تفشي فيروس "كورونا" أزمة طويلة المدى ولا ترتبط بعدة أيام ولا عدة شهور.
 
ملايين العمال يتمنون وقف الإجراءات الاحترازية مهما كان الثمن


الحكومة الجزائرية أقرت حجرا صحيا جزئيا على محافظات البلاد كافة، في 22 مارس الماضي، تم بموجبه توقيف كل الأنشطة التجارية ما عدا 13 نشاطا تتعلق بتموين المواطنين بالسلع الاستهلاكية والأدوية، بالإضافة إلى توقيف خدمات النقل عبر الحافلات وسيارات الأجرة والمترو، والحلاقة، وبيع الملابس، والمقاهي والمطاعم، وغيرها من النشاطات التجارية، ما جعل مئات الآلاف من الجزائريين يكابدون من أجل توفير بديل عن مصدر دخلهم اليومي الذي انقطع مع توقف تلك النشاطات.


وخصصت الحكومة 10 آلاف دينار – أقل من 100 دولار -  كتعويض للمتضررين من الحجر الصحي، سواء عمال بأجر شهري تم توقيفهم عن العمل مؤقتا، أو عمال بأجرة يومية أو أصحاب نشاطات تجارية حرة، على أن يصرف المبلغ في الأيام الأولى من رمضان، وخصصت الحكومة قرابة 170 مليون دولار لتغطية هذه التعويضات، إلا أن هذا التعويض، يراه الجزائريون ضئيلا رغم حاجتهم إليه حيث لن يكفي الطعامَ والشرابَ فقط في رمضان خاصة مع منع الموائد وأعمال الخير خوفًا من التجمعات، مما دفع ملايين العمال للمطالبة بتخفيف الإجراءات الاحترازية مهما كان السبب خوفًا من الموت جوعًا بدلًا من الإصابة بفيروس كورونا.
 
"كورونا وانهيار أسعار النفط" ضربتان في "مقتل" للاقتصاد الجزائري


الاقتصاد الجزائري انهار بسرعة غير متوقعة بسبب الصدمة المزدوجة التي لم تحسب لها الحكومة أي حساب "كورونا وانهيار أسعار النفط"، والأصعب من ذلك أنّ خزينة الدولة لا تحتوي على سيولة تفسح المجال للمناورة، وبالتالي لن يتمكَّن الاقتصاد من المقاومة مع مرور الوقت، وقد تعجز الحكومة تماماً عن تلبية حاجيات المواطنين إذا طال أمد الأزمة المزدوجة أكثر مما ينبغي.


حيث يتزامن التفشِّي السريع لفيروس كورونا، مع وصول سعر النفط إلى مستويات غير مسبوقة، ونتيجة لذلك اتَّخذت الحكومة حزمة إجراءات تغلَّب عليها طابع التقشُّف وتجرَّدت ملامحها من الحس الإنساني، حيث قرَّر مجلس الوزراء في اجتماعه يوم 22 مارس 2020 تخفيض نفقات ميزانية التسيير بنسبة 30 بالمائة، وتقليص فاتورة الاستيراد من 41 إلى 31 مليار دولار.

كما قررت الحكومة تجميد الخوض في مشاريع جديدة، وتكليف الشركة الوطنية لنقل وتسويق المحروقات (سوناطراك) بالتخفيض من أعباء الاستغلال ونفقات الاستثمار من 14 إلى 7 مليارات دولار، والتوقُّف عن إبرام العقود المتعلقة بالدراسات والخدمات مع المكاتب الأجنبية من أجل توفير مبلغ مالي يصل إلى 7 مليارات دولار، بالإضافة إلى تشجيع المزيد من الاندماج المالي، وكذا الصيرفة الإسلامية، وتحسين أداء وفعالية القطاع الزراعي ورفع الإنتاجية الزراعية من أجل ضمان الأمن الغذائي.


وعادة ما يتم اتِّخاذ مثل هذه التدابير التقشُّفية العاجلة لترشيد النفقات في ظلّ تهاوي أسعار النفط، ولكن يفرض تفشِّي فيروس "كورونا" اتِّخاذ سلسلة إجراءات تتماشى أيضاً مع واقع تعطُّل العمالة غير المنتظمة التي تعيل أسراً والمتضرِّرة من كورونا، وتنامي احتياجات المواطنين من المواد الغذائية الأساسية والمستلزمات الطبية وضرورة إصلاح المستشفيات الجزائرية غير المستعدّة لمواجهة فيروس "كورونا".


كما تمخَّض اجتماع مجلس الوزراء عن التعجيل بعملية تحصيل الضرائب والرسوم، وكذا استرجاع القروض الممنوحة من طرف البنوك العمومية.


وهذا ما يتناقض تماماً مع قرار غلق المحلات والمراكز التجارية والمقاهي والمطاعم وتسريح أكثر من 50 بالمائة من العمال في القطاع الاقتصادي والخدمات العمومية والخاصة، حيث يتنافى هذا السعي الحكومي لتحصيل المزيد من الإيرادات الضريبية مع عجز دافعي الضرائب عن دفع التزاماتهم الضريبية نتيجة لتوقُّف أعمالهم وتحمُّلهم لخسائر كبيرة وخصوصاً ذوي الدخل الضعيف.
 

الاقتراض ليس حلاً.. فالجميع يمر بالظروف نفسها والحكومة عاجزة عن مساعدتنا!


في هذا السياق يقول "حسن بن عطية"، 42 عامًا، سائق تاكسي، لدي طفلان وزوجة لا أعرف من أين ألبي حاجاتهم اليومية، من طعام وشراب، فمنذ بداية الإجراءات الاحترازية وتوقف عملي الذي يعتمد على الدخل اليومي، وجدت نفسي مضطرًا لبيع كل ما يصلح للبيع في بيتي، ثم بدأت مرحلة الاقتراض.


وتابع بن عطية، جميع معارفي يمرون بالضائقة نفسها، أصبح العثور على شخص تقترض منه أمرًا صعبًا للغاية، بدأت الخروج للمتاجر بجانب بيتي وأطلب منهم مواد غذائية مع وعد بالدفع في وقت لاحق، وهو ما يشعرني بالانكسار أمامهم، ولكن ماذا بوسعي أن أفعل، مستعد للعمل 18 ساعة يوميًا ولكن العمل نفسه أصبح أمرًا مستحيلاً.


وأضاف "بن عطية"، جميع المحال مغلقة وأصحاب المتاجر صارحوني أكثر من مرة، قائلين: "إذا أعطيناك دون مال، وأعطينا غيرك دون مال سيأتي علينا وقت لا نستطيع شراء بضائع بديلة لما تم استهلاكه، وعندها لن يجد أي شخص أي منتج لشرائه حتى لو امتلك المال"، موضحًا، أعلم أنهم على حق، وأعلم أنني لن أستطيع الوفاء بسداد ما اقترضه إلا عندما تعود الحياة لطبيعتها، ولكن ماذا أفعل لأطعم أطفالي".
 
الأوضاع تزداد سوءًا بشكل يومي.. والحكومة مطالبة بخلق حلول مناسبة


في السياق ذاته، يقول هاشم بن طارق، 33 عاما، كنت أملك مقهى صغيرا في العاصمة، وأعمل فيه مع شقيقي فقط، وما نكسبه بالكاد يكفي احتياجات أسرته وأسرتي من طعام وشراب والتزامات يومية.


وأضاف، الأمور تزداد صعوبة مع كل يوم يمر، نعلم أنه من الخطر على حياتنا وحياة الشعب إعادة فتح الحياة بالكامل وإلغاء الإجراءات الاحترازية، ولكن ما نعيشه هو موت بالبطيء فإذا كانت الحكومة لن تستطيع مساعدتنا وستتركنا للموت جوعًا، فلترفع إجراءاتها الاحترازية وتتركنا نعمل وينجو فقط مَن يتعامل بالحرص الكافي بدلًا من موت الملايين جوعًا.


مصدر دخلي الوحيد مغلق منذ بداية الأزمة، ما أكسبه من رزق معلق، وما أطالب به من احتياجات وإيجار وفواتير كهرباء تسير بشكل طبيعي، هذا معادلة مستحيلة التنفيذ كيف أنفق وأسدد التزاماتي وأنا لا أكسب دينارا واحدا في اليوم، مضيفًا، الجميع يعلم صعوبة الوضع، ولكن الحكومة مطالبة بخلق حلول مناسبة هذا دورها وعملها أنا مطالب بأن أعمل، والحكومة أمرتني بالبقاء في المنزل، فعليها توفير بديل للعمل ومساعدتي على العيش حتى زوال الأزمة.