"بالشفرة السرية والمتفجرات".. مغامرات جديدة لدبلوماسي إيراني إرهابي
قال عضو البرلمان الألماني، مارتن باتزيلت في تصريحات لشبكة "بي آر 24" الألمانية: "كنت جالسا على المنصة، لو كنت هدفا للهجوم، ما استطعت العودة إلى منزلي ذلك اليوم".
تحقيقات مستمرة
وبالرغم من مرور نحو عام ونصف العام على الواقعة، لا يزال ملف الدبلوماسي الإيراني، أسد الله أسدي، الذي يحاكم في بلجيكا بتهم "الشروع في القتل والانتماء لتنظيم إرهابي"، محور تحركات المحققين في برلين وبروكسل وفيينا، وتتكشف معلومات جديدة مثيرة بين حين وآخر.
وكان أسد الله يخطط رفقة شبكة من العملاء لهجوم مدمر بالقنابل وسط باريس، يستهدف فعالية للمعارضة الإيرانية في المنفى يوم 30 يونيو 2018، كان يحضرها السياسي وعضو البرلمان الألماني، مارتن باتزيلت.
لكن لحسن الحظ، استطاعت مجموعة من أجهزة الاستخبارات والأمن رصد مخطط الهجوم، وإحباطه، لكن التحقيقات سرعان ما تركزت حول الدبلوماسي الإيراني "أسد الله"، وأحيل إلى محاكمة في بلجيكا لا تزال جلساتها جارية.
محققون من عدة دول
لكن وسائل إعلام ألمانية منها "بي آر 24" لا تزال تعمل على هذا الملف، وتسعى خلف المحققين في برلين وباريس وبروكسل لمعرفة ملابسات الواقعة وكيف جرى كشفها.
قبل أيام من ساعة الصفر، حصلت الاستخبارات البلجيكية على معلومات سرية مفادها أن طائرة تابعة للخطوط الجوية النمساوية، هبطت في فيينا، قادمة من طهران، في 22 يونيو 2018، وعلى متنها المستشار الثالث للسفارة الإيرانية في النمسا، الذي يحمل في حقيبته جهاز تفجير.
ووفق ما كانت السلطات في عدة دول أوروبية تملكه بالفعل من معلومات، فإن هذا الدبلوماسي، وهو أسد الله كان يخطط لهجوم إرهابي في أوروبا منذ عام 2017.
تحركات سرية
من جانبه قال الصحفي الاستقصائي والخبير في شؤون الاستخبارات، رونين بيرغمان، لـ"بي آر 24": إن "أسد الله هو قائد وحدة الاستخبارات الإيرانية العاملة في فيينا، وكان مسؤولا عن التحركات السرية الإيرانية في غرب أوروبا".
وتابع: "أسد الله قاد عملية الـ30 من يونيو 2018، مستهدفًا مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس، لكن مخططه فشل".
فيما صرح الخبير الألماني في شؤون الإرهاب، جيدو شتاينبرج، أن "الدولة الإيرانية تتخذ الإرهاب منهجا".
وأضاف: "إيران تحاول فرض مصالحها السياسية عبر تقوية مؤسسات داخلية تنفذ عمليات إرهابية في الخارج، هي وزارة الاستخبارات والحرس الثوري".
دبلوماسي جاسوس
ووفق معلومات حصلت عليها الشبكة الألمانية، كان أسد الله يدير شبكة من العملاء الإيرانيين في أوروبا انطلاقا من فيينا، تضم زوجين بلجيكيين من أصل إيراني، كانا محور مخططه للهجوم على فاعلية المعارضة في باريس.
وقبل 4 أيام من موعد الهجوم، قاد أسد الله، سيارة مستأجرة من فيينا في 26 يونيو، وعبر الحدود النمساوية الألمانية من منطقة سوبن، وكانت محطته الأولى في ألمانيا دار ضيافة شاعرية بالقرب من مدينة ريجنسبورج.
كما قاد أسد الله السيارة إلى مدينة كوشيم الجميلة الواقعة على نهر موسيل، وكان يصطحب عائلته، ليظهر أنه في رحلة سياحية، ويزيل أي شكوك حول تحركاته.
وفي الثامن والعشرين من شهر يونيو، وصل الدبلوماسي الإيراني لوكسمبورج، حيث ترك سيارته في مرآب للسيارات في ثياتر بلاتس عند دقات الواحدة ظهرا، والتقى بعد ذلك بقليل الزوجين البلجيكيين، إذ حان وقت تسليم العبوة الناسفة المقرر استخدامها في الهجوم.
ووفق تحقيق استقصائي أعده بيرجمان، كانت صفارات الإنذار تدق في نفس التوقيت في مقر الاستخبارات الإسرائيلية في إسرائيل، حيث تلقى معلومات عن تحركات أسد الله.
وأوضح بيرجمان للقناة الألمانية: "بمجرد أن تلقى الموساد الإسرائيلي المعلومات، أبلغ الاستخبارات الألمانية والفرنسية والبلجيكية، على الفور بما يحدث، حين كان أسد الله يستعد لإصدار الأوامر النهائية بتنفيذ الهجوم"، مضيفًا "كانت دراما تشبه أفلام جيمس بوند".
ودون أسد الله في دفتر ملاحظاته، في ذلك اليوم كلمات "البوابة مفتوحة"، وهو ما يشتبه المحققون في أنه شفرة سرية تعني أنه سلم بالفعل العبوة الناسفة لمنفذي الهجوم، وفق الشبكة الألمانية.
لكن الأمر لم يسر كما خطط له، حيث أوقفت السلطات البلجيكية سيارة الزوجين التي كانت في طريقها إلى باريس يوم 30 يونيو 2018، ووجدت القنبلة، ثم استعانت بروبوت لنزع فتيلها مستخدما الأشعة السينية، في وقت كانت المعارضة الإيرانية تعقد فاعليتها في باريس بأمان كامل.
بالتزامن مع هذا كان أسد الله في ألمانيا، وأصدرت السلطات البلجيكية مذكرة اعتقال أوروبية باسمه. وفي 1 يوليو، وبالتحديد عند دقات الواحدة وعشر دقائق ظهرا، اعتقلت شرطة ولاية بافاريا جنوبي ألمانيا، الدبلوماسي الإيراني في سيارته، وصادرت دفتر ملاحظاته ووثائق أخرى تثبت مدفوعات مالية لعملاء إيرانيين.
وفور علمها باعتقاله في ألمانيا، طالبت وزارة الخارجية النمساوية، نظيرتها الإيرانية بنزع الصفة الدبلوماسية عن أسد الله.
ونقلت الشبكة الألمانية عن إفادة من وزارة الخارجية النمساوية "لم تستجب السلطات الإيرانية لطلبنا، فقمنا باستدعاء السفير الإيراني في 3 يوليو 2018، وأبلغناه بانتهاء الوضع الدبلوماسي للمذكور بعد 48 ساعة من الآن".
وبعد ذلك، قامت السلطات الألمانية بتسليم أسد الله إلى بلجيكا بعد مراجعات قضائية مكثفة، ورفض طعن قدمه الدبلوماسي أمام المحكمة الدستورية الألمانية.
ومنذ نوفمبر عام 2020، تقوم محكمة بلجيكية بمحاكمة الدبلوماسي الإيراني، إذ يطالب الادعاء العام بإنزال عقوبة السجن 20 عاما على خلفية تهم "الشروع في القتل والانتماء لمنظمة إرهابية". ويصدر الحكم على المتهم في 22 يناير الجاري.
بدوره، قال مارتن باتزيلت "أشعر بالغضب كلما فكرت في عدد الوفيات التي كان يمكن أن يوقعها هذا الهجوم".
وتابع "أتوقع صدور حكم عادل وواضح ضد مَن حاولوا قتل أشخاص آخرين، وهذا الحكم بلا شك يشمل أسد الله"، مضيفًا: "وبما أنه فعل ذلك نيابة عن حكومة دولة، نريد أن تظهر هذه الحكومة أيضا في قفص الاتهام".
ووفق محاضر الاستجواب، فإن أسد الله هدد المحققين بأن جماعات مسلحة ستنفذ هجمات في أوروبا في حال إدانته.
وفي هذا الإطار، قال الخبير الألماني في شؤون الإرهاب، جيدو شتاينبرج "يجب أخذ تهديد أسد الله على محمل الجد، فمن المعروف أنه جزء من الاستخبارات الإيرانية"، مضيفا "هذا يعني أن القيادة الإيرانية ستسعى خلال الأشهر المقبلة للضغط بكل الوسائل من أجل إطلاق سراحه".