من ليبيا إلى أرمينيا.. "السيسي" شوكة في حلق "أردوغان"
بعد جهود استعمارية ضخمة ومساعٍ واسعة من أجل فرض سيطرته على مختلف البلدان بين القارة الإفريقية والآسيوية وحتى البحر المتوسط، من أجل تحقيق حلم الرئيس التركي البائد في استعادة السلطنة العثمانية، واستنزاف موارد وثروات الدول، دائمًا ما يتصدى له الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بقوة لينهي أحلامه ويكشف فشله الذريع مجددًا.
مناشدة أرمينية للسيسي
بعد تدخُّل "أردوغان" السافر في الأزمة بين أرمينيا وأذربيجان مؤخرًا، وجه رئيس أرمينيا، "أرمين سركيسيان"، مناشدة قوية للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بالتدخل لوقف الهجوم العسكري الأذربيجاني على إقليم "قرة باغ".
وقال الرئيس الأرميني في رسالة يوم الأربعاء إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إنه: "أثناء كتابة هذه الرسالة قتل أو جرح العشرات من المدنيين والعسكريين في كِلا الجانبين، فالقيادة الأذربيجانية عبّرت في الأشهر الماضية عن خطتها لحل النزاع بالحرب".
وطلب الرئيس الأرميني من نظيره المصري استخدام كل علاقاته وسمعته في الساحة الدولية بهدف وقف إراقة الدماء والمعاناة الإنسانية على الفور، مؤكدًا أنه "لا يمكن ولا ينبغي حل النزاع إلا من خلال المفاوضات وليس لها حل عسكري".
وأتى ذلك، بعد دعوة وزارة الخارجية المصرية هذا الأسبوع كلاً من أرمينيا وأذربيجان إلى منع التصعيد ووقف العنف، بينما في سبتمبر الماضي اتهم وزير خارجية أرمينيا "زوهراب مناتساكانيان"، خلال زيارته إلى القاهرة، تركيا، بنقل مقاتلين أجانب إلى أذربيجان.
التدخل التركي
استغل أردوغان الصراع الضخم حاليًا بين أرمينيا وأذربيجان، بتصريحات مثيرة بعد الاشتباكات، التي وقعت على جانبَيْ إقليم "ناغورنو كاراباخ" وسقوط طائرتين هليكوبتر تابعتين لأذربيجان، كان آخِرها قبل ساعات.
وأعلن الرئيس التركي شروطًا من أجل إعلان وقف إطلاق النار بين حليفته أذربيجان وأرمينيا، في تصريح يظهر نفوذه في الأزمة الناشبة بإقليم "ناغورنو كراباخ"، مضيفًا أن وقف إطلاق النار لن يكون ممكنًا ما لم تنسحب القوات الأرمينية من المنطقة الانفصالية (إقليم ناغورني كراباخ) وغيرها من الأراضي الأذربيجانية.
وتابع: "يعتمد التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في هذه المنطقة على انسحاب الأرمينيين من كل شبر من الأراضي الأذربيجانية".
وبالأمس، طالب أردوغان، أرمينيا بإنهاء "احتلال" منطقة ناغورنو كاراباخ التي تتنازع عليها مع أذربيجان، بعد احتدام القتال لليوم الثاني على التوالي بالصراع المستمر منذ عقود في منطقة القوقاز، مضيفًا أن إنهاء "احتلال" أرمينيا وانسحابها من المنطقة هو مسار العمل الوحيد الذي من شأنه إرساء السلام، مضيفًا أن "تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب أذربيجان الصديقة والشقيقة بكافة إمكانياتها".
وسبقه في تلك التصريحات الاستفزازية أتباع بتركيا، حيث خرج المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، "عمر جليك"، بكتابة تصريحات عبر حسابه بموقع "تويتر"، قائلاً: "ندين هجوم أرمينيا على أذربيجان بشدة، عارضت أرمينيا ذات مرة ارتكاب استفزاز يتجاهل القانون، ستقف تركيا إلى جانب أذربيجان.. أرمينيا تلعب بالنار، وتعرض السلام الإقليمي للخطر".
كما أدان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، ما فعلته أرمينيا عبر "تويتر" أيضًا، حيث كتب: "أرمينيا انتهكت وقف إطلاق النار بمهاجمة المستوطنات المدنية. يجب على المجتمع الدولي أن يتدخل ويأمر فورًا بوقف هذا الاستفزاز الخطير".
فيما أدلى وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، بتصريحات أدان فيها ما أسماه الهجوم الأرميني، مؤكدًا وقوف بلاده إلى جانب أذربيجان في الدفاع عن وحدة أراضيها، معتبرًا أن موقف أرمينيا العدواني أكبر عقبة أمام السلام والاستقرار في القوقاز.
وجراء تلك التصريحات التركية، أعلنت وزارة الخارجية الأرمينية، أن تركيا تزود أذربيجان بالطائرات الحربية والمسيرة، مؤكدة أن خبراء عسكريين أتراكًا يقاتلون جنبًا إلى جنب مع أذربيجان في منطقة ناغورنو كاراباخ.
المبادرة المصرية في ليبيا
وقبل أرمينيا، تصدى السيسي لمساعي أردوغان بليبيا، حيث إنه في يونيو الماضي، أعلن المبادرة المصرية لحل الأزمة الليبية، خلال مؤتمر ضخم مع القائد العامّ للجيش الليبي المشير "خليفة حفتر" والمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي، والذي يعتبر بمثابة صفعة قوية للأطراف الإرهابية المتداخلة في طرابلس.
وأطلق القادة الثلاثة مؤتمرًا صحفيًا للإعلان عن مبادرة مصرية لإنهاء الصراع في ليبيا، لمواجهة تداعيات تنذر بتطورات إقليمية، وانطلاقًا من حرص مصر على تحقيق استقرار ليبيا خاصة وأنه جزء لا يتجزأ من استقرار مصر وفي إطار العلاقات بين البلدين تم دعوة رئيس البرلمان الليبي والقائد العام للقوات المسلحة للحضور إلى القاهرة للتشاور حول تطورات الأوضاع.
وأعلن القادة أنه تم الاتفاق بشكل نهائي على إطلاق إعلان القاهرة "مبادرة ليبية ليبية" كأساس حل الأزمة متضمنًا جهود الولايات المتحدة وباريس وبرلين وأبوظبي لحل الصراع، تتضمن احترام كافة المبادرات الدولية بوقف إطلاق النار، وإخراج المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها.
كما تضمنت استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية "5 + 5" بجنيف برعاية الأمم المتحدة، وطرح مبادرات لحل الأزمة على كافة المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية، وضمان تمثيل عادل لأقاليم ليبيا الثلاثة تحت إشراف الأمم المتحدة للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وتوحيد المؤسسات الليبية بما يمكنها من القيام بدورها والتوزيع العادل للموارد الليبية على كافة المواطنين، واعتماد إعلان دستوري ينظم مقتضيات المرحلة المقبلة سياسيا وانتخابيا.
وتعتمد المبادرة المصرية على التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها، واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبناء عليه التزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار.
وعقب أيام منها، تحدث السيسي في خطاب شهير له، قائلا: "سرت والجفرة بالنسبة لنا خط أحمر"، مشددًا على أن مصر تكنّ كل الاحترام والتقدير لليبيا ولم تتدخل يومًا في شؤونها الداخلية ومستعدة لتقديم الدعم من أجل استقرارها، مضيفًا: "نحن في مصر نكنّ لكم احترامًا وتقديرًا كبيرًا ولم نتدخل في شؤونكم ودائمًا مستعدون لتقديم الدعم، من أجل استقرار ليبيا وليس لنا مصلحة سوى أمنكم واستقراركم، وتجاوز سرت والجفرة خط أحمر، ولن يدافع عن ليبيا إلا أهل ليبيا ومستعدون أن نساعد ونساند هذا".
وتابع السيسي أن "أي تدخل مباشر في ليبيا سيهدف لتأمين الحدود ووقف إطلاق النار. مصر لم تكن يومًا من دعاة العدوان لكنها كانت تعمل على تأمين حدودها ومجالها الحيوي، نحن نسعى لوضع حدّ للتدخلات الأجنبية في ليبيا التي تغذي بؤر الإرهاب هناك"، مشددًا على أن "مصر حريصة على التوصل إلى تسوية شاملة في ليبيا"، كما أنها حريصة "على سيادة ووحدة الأراضي الليبية، إن "سرت والجفرة خط أحمر".
وقف انتهاكات المتوسط
كما تصدى الرئيس المصري لأحلام أردوغان بالاستيلاء على النفط في البحر المتوسط، من خلال عمليات القرصنة ضد قبرص واليونان مسبقًا، متجاهلاً القوانين الدولية، وهو ما سارع السيسي بمنعه من خلال عقد اتفاقيات جديدة.
وترتبط مصر وقبرص، وقبرص ولبنان، باتفاقيات دولية تحدد سيادة كل منهم بالمياه الإقليمية، لقطع الطريق على أي وجود تركي بمياه المتوسط، بينما سارع أردوغان لعقد اتفاق مشبوه مع فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية، في نوفمبر الماضي، لإنشاء منطقة اقتصادية من ساحل تركيا الجنوبي على المتوسط إلى الساحل الشمالي الشرقي الليبي، متجاهلاً جزيرة "كريت" اليونانية الواقعة بتلك المنطقة.
كما سارع بتشكيل منتدى غاز شرق المتوسط، العام الماضي، ومقره في مصر، لتوجيه ضربة قوية لأطماع تركيا، وتوحيد مصالح الدول المطلة على البحر المتوسط التي تملك ثروات غاز ونفط، استنادًا إلى اتفاقية الأمم المتحدة لتقسيم الثروات.