2025.. سنة الحقيقة لأوروبا بين تحصين الديمقراطية والحرب على الإخوان
2025.. سنة الحقيقة لأوروبا بين تحصين الديمقراطية والحرب على الإخوان
لم يكن عام 2025 مجرد سنة سياسية عابرة في تاريخ القارة الأوروبية، بل محطة مفصلية كشفت عمق التحولات التي تضرب بنية الديمقراطية الأوروبية، وتعيد طرح أسئلة الهوية والاتحاد والقوة والتماسك الداخلي. بين صعود التيارات الشعبوية واليمينية، واتساع نفوذ الخطاب القومي، ومحاولات المؤسسات الأوروبية إقامة "جدار حماية" للديمقراطية الليبرالية، بدا العام أشبه بسباق مفتوح بين مسارين: أحدهما يسعى إلى إعادة صياغة أوروبا في صورة أكثر قومية وانغلاقًا، وآخر يدافع عن قيم الاتحاد والشفافية والتعددية. ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، وتعاظم التحديات الأمنية، وتفاقم قضايا الفساد والتلاعب بالمعلومات، وجدت أوروبا نفسها أمام اختبار شامل يطال مستقبل نظامها السياسي، ووحدتها الداخلية، ومكانتها الدولية. هكذا تحول 2025 إلى عام التحولات الكبرى، حيث لم يعد السؤال عن ما يحدث الآن، بل عمّا ستصير إليه أوروبا خلال العقد المقبل.
مركز القارة يترنح
شهدت أوروبا الوسطى واحدة من أكثر لحظاتها السياسية حساسية، مع صعود واضح للتيارات القومية والمتشككة في الاتحاد الأوروبي.
ففي بولندا، جاء فوز كارول ناووركي بمنصب الرئاسة ليبعث برسالة مزدوجة: أولها أن تيار "القانون والعدالة" ما زال يمتلك قاعدة انتخابية صلبة، وثانيها أن البلاد تتجه إلى مرحلة "توازن هش" بين الرئاسة المحافظة وحكومة دونالد توسك الأكثر قربًا من بروكسل.
هذا الواقع يفتح الباب أمام صدامات سياسية محتملة حول استقلال المؤسسات والقضاء، وحدود تدخل الاتحاد الأوروبي في الشؤون الداخلية.
وفي التشيك، مثّلت عودة أندريه بابيش إلى السلطة عبر ائتلاف شعبوي حدثًا سياسيًا مدويًا، ليس فقط لبراغ، بل لبروكسل أيضًا.
فالأجندة المشككة في سياسات الاتحاد الأوروبي بشأن المناخ والهجرة ودعم أوكرانيا تشي بتحول محتمل في موقع التشيك داخل المنظومة الأوروبية، وربما اقترابها من معسكر الدول "المتحفظة" التي تدفع باتجاه إعادة تعريف أولويات الاتحاد.
الاتحاد الأوروبي يرفع "درع الديمقراطية"
أمام هذا الموج المتصاعد من الشعبوية والقومية، لم يقف الاتحاد الأوروبي مكتوف الأيدي، أطلقت بروكسل مبادرة وُصفت بأنها الأكثر جرأة منذ سنوات: "درع الديمقراطية الأوروبية".
هذه الاستراتيجية لم تكن مجرد خطة مؤسسية، بل محاولة لإنعاش الثقة في قيم الحكم الرشيد، ودعم المجتمع المدني، ومنع تآكل المؤسسات الديمقراطية.
وجاء هذا التحرك في لحظة فارقة، بالتزامن مع انتصارات انتخابية محدودة ولكن رمزية في رومانيا ومولدوفا لمرشحين داعمين للمشروع الأوروبي، مما منح الاتحاد نفسًا سياسيًا جديدًا في مواجهة صعود اليمين.
ألمانيا وفرنسا.. مواجهة مفتوحة مع الإسلام السياسي
لم تقتصر المواجهة على الجبهة السياسية فقط. ففي ألمانيا، تحولت قضية الإسلام السياسي إلى ملف داخلي ساخن، فقد صعّد حزب "البديل من أجل ألمانيا" الضغط باتجاه فتح ملفات التمويل والتأثير المرتبط بجماعة الإخوان، فيما تحركت الحكومة الفيدرالية لتأسيس مجلس استشاري دائم لمكافحة التطرف الديني، في خطوة تعكس رغبة الدولة في وضع سياسة اتحادية موحدة.
وفي فرنسا، جاءت الإجراءات أكثر صرامة مع حل "المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية" بعد تقارير تربطه بالإخوان، إضافة إلى كشف نسبة لافتة من أماكن العبادة ذات الصلة بالجماعة. هذا التحرك لم يكن مجرد قرار إداري، بل جزءًا من نقاش أوسع حول الأمن، والاندماج، وحماية تماسك الدولة.
في الشمال الأوروبي، لم تكن السويد استثناءً من هذه المعركة، فقد فجرت التحقيقات حول أنشطة مالية مرتبطة بجماعات إسلامية موجة صادمة من الجدل، مع اتهامات باختلاس أموال عامة وتلاعب بمنظومات الدعم الاجتماعي.
هذه التطورات عززت مخاوف المجتمع والسياسيين من استغلال الأنظمة الديمقراطية ومؤسسات الرفاه لتحقيق أهداف أيديولوجية، ما أعاد النقاش حول حدود التسامح في المجتمعات الأوروبية.
أوكرانيا.. حرب لا تنتهي وفساد لا يختفي
بينما كانت أوروبا تعيد ترتيب بيتها الداخلي، استمرت الحرب في أوكرانيا لتشكّل جرحًا مفتوحًا على حدود القارة. ومع دخولها عامها الرابع، تداخلت المأساة العسكرية مع تحديات الفساد الداخلي، الأمر الذي وضع كييف تحت ضغط مضاعف: الدفاع الميداني، وإعادة بناء الثقة الدولية.
وفي الوقت ذاته، أدركت أوروبا أن الحرب ليست مسألة دعمٍ عسكري فقط، بل امتحان لقدرتها الاقتصادية والاستراتيجية، ما دفع المفوضية الأوروبية إلى إطلاق أدوات جديدة لتعزيز القدرة التنافسية والدفاعية.
معركة الحقيقة وخطر التلاعب بالمعلومات
كان 2025 أيضًا عامًا كاشفًا لواحد من أخطر تهديدات العصر: المعلومات المضللة، من مولدوفا إلى ألمانيا مرورًا برومانيا وسلوفاكيا والمجر، ظهرت موجات منظّمة من التدخلات المعلوماتية، غالبًا مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، استهدفت التأثير على الرأي العام وتوجيه المشهد السياسي.
هذه الظاهرة لم تعد "تفصيلًا رقميًا"، بل تحولت إلى تهديد مباشر للبنية الديمقراطية، ما دفع أوروبا للتفكير جديًا في سياسات دفاعية جديدة تحمي المجال العام.
أخيرًا، جاء النقاش حول الإطار المالي الأوروبي للفترة 2028–2034 ليكشف حجم الطموح والتوتر معًا. فالدول في أوروبا الوسطى والشرقية تنظر إلى هذا الإطار باعتباره فرصة لتأمين أمنها ودعم تنافسيتها، بينما ترى فيه بروكسل أداة لإعادة رسم دور القارة على الساحة العالمية.
وهكذا، بدا 2025 عامًا يحدد معالم العقد المقبل: هل تتقدم أوروبا نحو اتحاد أقوى وأكثر قدرة على حماية نفسه، أم تتراجع تحت ضغط الانقسامات الداخلية وصعود القومية.

العرب مباشر
الكلمات