بعد فاغنر.. فيلق أفريقيا ولواء الدببة أذرع روسية جديدة في القارة السمراء
بعد فاغنر.. فيلق أفريقيا ولواء الدببة أذرع روسية جديدة في القارة السمراء
مع تفكك مجموعة "فاغنر" في صيف 2023 عقب وفاة قائدها يفغيني بريغوجين، انتشرت تساؤلات حول مصير النفوذ الروسي في أفريقيا، وهي القارة التي شهدت على مدار السنوات الماضية تواجدًا روسيًا كبيرًا من خلال المقاتلين المرتبطين بهذه المجموعة.
إلا إن الكرملين لم يتأخر في إعادة ضبط استراتيجيته لتوسيع نفوذه، عبر استبدال "فاغنر" بكيانات أخرى مثل "فيلق أفريقيا" و"لواء الدببة"، وهو ما يعكس رغبة موسكو في الحفاظ على موطئ قدمها في القارة الغنية بالموارد رغم الصراعات الدائرة بينها وبين الغرب.
*استراتيجية روسية جديدة في أفريقيا*
بعد سقوط "فاغنر"، سرعان ما ظهرت مجموعات أخرى تحمل لواء المصالح الروسية في القارة، وعلى رأسها "فيلق أفريقيا"، هذه الوحدة، التي تشكلت حديثًا، تضم عناصر من شركات عسكرية روسية مثل "فاغنر"، و"كونفوي"، و"ريدوت".
تعمل هذه الشركات على تقديم الدعم العسكري والأمني للحكومات الأفريقية التي تسعى للتخلص من التهديدات الداخلية والخارجية، وفي الوقت نفسه تعزز النفوذ الروسي في المنطقة.
في الأسابيع الأخيرة، ظهرت تقارير تؤكد نشر "فيلق أفريقيا" في عدة دول أفريقية، منها غينيا الاستوائية، حيث تم نشر مرتزقة ومتطوعين لتقديم المشورة والتدريب العسكريين، والمشاركة في العمليات القتالية المباشرة، وتعتبر هذه الخطوة جزءًا من إعادة هيكلة النفوذ الروسي في أفريقيا، بعد تراجع الدور الرئيسي لـ"فاغنر" عقب وفاة بريغوجين.
*النفوذ الروسي في دول الساحل*
تشير البيانات الدولية، إلى أن هناك نحو 1200 إلى 2000 مقاتل روسي دعموا القوات المسلحة في جمهورية أفريقيا الوسطى خلال عام 2022، حيث لعب هؤلاء المقاتلون دورًا رئيسيًا في تعزيز الاستقرار النسبي في البلاد.
أما في مالي، فقد بلغ عدد المقاتلين المرتبطين بالمجلس العسكري نحو 1645 مقاتلًا حتى أبريل 2023، وقد تم توجيههم للمشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب وتقديم الدعم اللوجستي، وفقًا لصحيفة "لوموند" الفرنسية.
إلى جانب ذلك، تشير التقارير إلى تواجد مقاتلين روس في دول مثل موزمبيق وبوركينا فاسو. ففي بوركينا فاسو، أشاد مؤيدو المجلس العسكري بوصول الجنود الروس، معتبرين أن وجودهم سيساهم في تعزيز الأمن وتدريب القوات المحلية على التعامل مع الأسلحة الحديثة التي حصلت عليها الحكومة من موسكو.
وتعتبر هذه الخطوة جزءًا من التوسع الروسي في الساحل الأفريقي، وهي منطقة تشهد صراعًا متزايدًا بين الفصائل المسلحة والحكومات المحلية.
*لواء الدببة*
من بين المجموعات الروسية الجديدة التي ظهرت بعد تفكك "فاغنر" تبرز مجموعة "لواء الدببة"، هذه المجموعة، التي تأسست في مارس 2023، تعمل تحت مظلة شركة "ريدوت" العسكرية الروسية، وتشارك في تقديم الدعم الأمني للحكومات الأفريقية، وخاصة في بوركينا فاسو.
وتشير التقارير إلى أن "لواء الدببة" لعب دورًا بارزًا في حماية الشخصيات السياسية في البلاد، بما في ذلك رئيس المجلس العسكري، النقيب إبراهيم تراوري.
ومع ذلك، فإن التوترات المتزايدة بين روسيا وأوكرانيا أثرت بشكل ملحوظ على هذه المجموعة، ففي مايو 2023، قررت "لواء الدببة" سحب جزء من قواتها من بوركينا فاسو لمواجهة التقدم الأوكراني في الأراضي الروسية، مما يعكس الأولويات المتغيرة لموسكو.
ويأتي هذا القرار في وقت حرج بالنسبة للعديد من الدول الأفريقية التي تعتمد على الدعم الروسي لمواجهة التحديات الأمنية الداخلية.
*استراتيجية طويلة الأمد*
إلى جانب المشاركة القتالية المباشرة، يركز "فيلق أفريقيا" و"لواء الدببة" على تقديم التدريب للقوات المحلية، ففي النيجر، أشارت وسائل إعلام روسية إلى وصول خبراء روس في صيف 2023 لتدريب القوات الأمنية المحلية على مكافحة الإرهاب.
وتمثل هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز قدرات الدول الأفريقية على مواجهة التهديدات الأمنية الداخلية، وهي تهدف أيضًا إلى تقليل اعتماد تلك الدول على القوات الأجنبية في المستقبل.
تتزامن هذه الجهود مع محاولة روسيا توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي في القارة الأفريقية، خاصة في ضوء التراجع الأمريكي والأوروبي في المنطقة.
ويبدو أن موسكو تراهن على تقديم نفسها كشريك موثوق به للدول الأفريقية التي تسعى لتحسين قدراتها الأمنية وتطوير اقتصاداتها في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
*تأثير النفوذ الروسي*
بينما تتزايد مشاركة القوات الروسية في أفريقيا، يظل تأثير هذا التواجد محل جدل. فمن جهة، تساعد هذه القوات في تعزيز الأمن والاستقرار في العديد من الدول الأفريقية، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي.
ومن جهة أخرى، يتهم الغرب موسكو باستخدام هذه الشركات العسكرية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية على حساب الاستقرار الإقليمي.
ويعتبر الكثيرون أن توسع النفوذ الروسي في أفريقيا يعكس جزءًا من الصراع العالمي بين القوى الكبرى، حيث تسعى موسكو لتعزيز علاقاتها مع الحكومات الأفريقية في مواجهة الضغوط الغربية.
من جانبه، يقول د. محمد المنجي، خبير الشؤون الدولية والعلاقات الدولية: إن استراتيجية موسكو في القارة السمراء تعكس استمرارًا للسياسة الروسية الخارجية، مشيرًا أن روسيا تستخدم الشركات العسكرية الخاصة كأدوات لتحقيق أهدافها الجيوسياسية دون الدخول في مواجهة مباشرة مع القوى الغربية.
وأضاف المنجي - في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن موسكو تدرك أهمية أفريقيا من حيث الموارد الطبيعية والموقع الاستراتيجي، ولذلك تسعى لتعزيز نفوذها من خلال توفير الدعم الأمني والعسكري لحكومات تواجه تحديات داخلية مثل الإرهاب والنزاعات المسلحة.
وتابع المنجي: أن ظهور كيانات جديدة مثل "فيلق أفريقيا" و"لواء الدببة" يعكس رغبة روسيا في مواصلة استراتيجيتها التوسعية، حتى بعد انهيار "فاغنر"، موضحًا، أن هذه المجموعات تعمل على تقوية علاقات موسكو مع دول أفريقية عدة من خلال تقديم خدمات أمنية وعسكرية مهمة، مضيفًا أن تلك الدول، التي تجد نفسها في صراع دائم مع التهديدات الإرهابية والجماعات المسلحة، تجد في هذه الشركات العسكرية الخاصة حلًا سريعًا وفعالًا لتعزيز قواتها الأمنية.
واختتم المنجي قائلًا: "أن الدور الروسي في أفريقيا يمثل تحديًا جديدًا للغرب، الذي طالما اعتبر القارة منطقة نفوذه"، مضيفًا أن التنافس بين القوى الكبرى على أفريقيا لن يقتصر على الاقتصاد فحسب، بل سيتضمن أيضًا منافسة على النفوذ الأمني والسياسي، وهو ما يجعل المرحلة المقبلة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لأمن واستقرار المنطقة.