الجزائر على مفترق طرق: انتخابات رئاسية وسط تحديات داخلية وخارجية
الجزائر على مفترق طرق: انتخابات رئاسية وسط تحديات داخلية وخارجية
في ظل ظروف سياسية واقتصادية معقدة، توجه اليوم أكثر من 24 مليون جزائري إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد للبلاد.
الانتخابات الرئاسية، التي تُعقد اليوم السبت، ومع فتح مراكز الاقتراع أبوابها في الساعة 7:00 بتوقيت غرينتش، ينتظر الجميع معرفة من سيقود الجزائر في السنوات القادمة.
*المرشحون في السباق الرئاسي*
يتنافس في هذه الانتخابات ثلاثة مرشحين يمثلون أطيافًا سياسية مختلفة، الرئيس الحالي عبد المجيد تبون (78 عامًا) يسعى للفوز بولاية ثانية، وهو يعتمد على إرثه السياسي خلال فترة رئاسته السابقة التي شهدت تحديات كبيرة، بما في ذلك جائحة كوفيد-19.
الصحفي السابق ورئيس جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش (41 عامًا) يمثل صوت الشباب وحركة المعارضة التي تسعى للتغيير، أما الثالث فهو عبد العالي حساني شريف (57 عامًا)، رئيس حركة مجتمع السلم ذات التوجه الإسلامي، فيسعى لجذب أصوات الناخبين المحافظين والداعمين للحريات السياسية.
*أجواء هادئة في مراكز الاقتراع*
تشير التقارير الأولية إلى أن العملية الانتخابية تجري بهدوء داخل مراكز الاقتراع في العاصمة الجزائرية. يُلاحظ وجود أمني مكثف حول اللجان الانتخابية، ولكن من داخل اللجان، يبدو أن الإقبال قليل نسبيًا، وهو ما يثير تساؤلات حول نسبة المشاركة في هذه الانتخابات.
السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، الجهة المشرفة على العملية الانتخابية، قدمت إحصاءات تفصيلية حول الناخبين. من بين 24.351.551 ناخب مسجل، يتواجد 23.486.061 منهم داخل البلاد، وتبلغ نسبة النساء بين الناخبين 47%، بينما يمثل الرجال 53%. ومن الملفت للنظر أن نسبة المسجلين الذين تقل أعمارهم عن 40 عامًا تبلغ 36%، وهو ما يبرز دور الشباب في هذه الانتخابات.
*التصويت في الخارج والمناطق النائية*
بالنسبة للمغتربين الجزائريين، فقد تم تنظيم عملية التصويت في الخارج قبل عدة أيام، حيث دُعي أكثر من 800 ألف ناخب للإدلاء بأصواتهم، وفي الوقت نفسه، شهدت المناطق النائية في جنوب الجزائر بدء عملية التصويت عبر مكاتب متنقلة يوم الأربعاء الماضي، حيث تم توفير مراكز اقتراع خاصة للسكان البدو الرحل والقاطنين في المناطق البعيدة.
*الهموم الاقتصادية في صدارة اهتمامات الناخبين*
الناخب الجزائري يتوجه إلى صناديق الاقتراع وهو مثقل بالعديد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية. الجزائر، التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، تعاني من أزمة اقتصادية حادة تتمثل في ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، حيث تتجاوز نسبة البطالة بينهم 30%. إلى جانب ذلك، يشكو المواطنون من تدهور القدرة الشرائية وتراجع مستوى الخدمات الاجتماعية.
الرئيس عبد المجيد تبون، الذي قدم نفسه كمرشح حر في هذه الانتخابات، وعد في حملته الانتخابية بزيادات جديدة في الأجور، معاشات المتقاعدين، وتعويضات البطالة.
كما تعهد ببناء مليوني مسكن جديد وتوفير 400 ألف فرصة عمل من خلال زيادة الاستثمارات، تبون يرى أن هذه الإجراءات ستسهم في تحويل الجزائر إلى ثاني أكبر اقتصاد في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا.
في المقابل، يركز منافساه على قضايا الحريات السياسية، يوسف أوشيش تعهد بالإفراج عن سجناء الرأي وتعديل القوانين التي يصفها بـ"الجائرة"، فيما يدعو عبد العالي حساني شريف إلى إصلاحات دستورية تمنح البرلمان صلاحيات أكبر وتحول الجزائر إلى "دولة محورية" في المنطقة.
*التحديات الخارجية*
على الصعيد الخارجي، يبدو أن المرشحين الثلاثة يتفقون إلى حد كبير على القضايا الإقليمية، جميعهم يدعمون موقف الجزائر الثابت تجاه القضية الفلسطينية ويدافعون عن حق تقرير المصير في الصحراء الغربية، وهي قضية شائكة بين الجزائر والمغرب. هذا الموقف الإقليمي الثابت يعكس الدور الذي تسعى الجزائر للعبه كقوة إقليمية مؤثرة في شمال أفريقيا.
*مستقبل الجزائر في ظل الولاية الثانية لتبون؟*
إذا ما فاز تبون بولاية ثانية، فمن المرجح أن تستمر الجزائر في سياساتها الاقتصادية القائمة على تعزيز صادرات الطاقة، مع تنفيذ إصلاحات محدودة تهدف إلى تشجيع الأعمال التجارية.
وعلى الرغم من الدعوات المتزايدة للإصلاحات السياسية، يبدو أن النظام الجزائري يسعى للحفاظ على الدعم الحكومي السخي للقطاعات الحيوية مثل البنزين والكهرباء والخدمات الاجتماعية، وهو ما قد يحظى بشعبية بين شريحة واسعة من الناخبين.
ومع ذلك، قد تواجه الجزائر تحديات كبيرة في تحقيق هذه الأهداف، التوترات السياسية الداخلية والمطالبات بزيادة الحريات السياسية قد تشكل عقبة أمام تنفيذ الإصلاحات التي يسعى إليها تبون.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد الكبير على عائدات المحروقات يشكل تحديًا كبيرًا في ظل التقلبات في أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية.
*الانتخابات في ظل الظروف الاستثنائية*
ما يميز هذه الانتخابات هو أنها تأتي في ظل ظروف استثنائية.
الجزائر ما تزال تتعافى من تداعيات الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت ببوتفليقة، كما أن البلاد تواجه تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة لانخفاض أسعار النفط في السنوات الأخيرة وجائحة كوفيد-19.
هذه العوامل تجعل الانتخابات الرئاسية الحالية محطة مفصلية في مستقبل البلاد، الناخبون الجزائريون أمام خيار صعب.
هل سيصوتون للاستمرارية مع تبون الذي يعد بمزيد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية؟ أم أن التغيير الذي يمثله أوشيش وحساني شريف سيكون الخيار الأفضل في ظل الأزمات التي تعيشها البلاد؟