محلل عراقي: طهران تعيد تموضعها في العراق بعد خسائر إقليمية متلاحقة
محلل عراقي: طهران تعيد تموضعها في العراق بعد خسائر إقليمية متلاحقة
تواصل إيران تمسكها بمفاتيح التأثير في العراق، عبر شبكة واسعة من الأحزاب والفصائل الموالية لها، والتي كان لها دور رئيسي في صياغة المشهد السياسي منذ سنوات، من بينها قوى ساهمت في وصول رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني إلى السلطة.
وتشكل هذه القوى جزءًا مما يُعرف بـ"محور المقاومة" الذي تقوده طهران، في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة.
غير أن المشهد الإقليمي شهد تغيرات دراماتيكية منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة عام 2023، حيث تعرضت القوى الحليفة لإيران في المنطقة، مثل حركة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، لضربات عسكرية موجعة من إسرائيل. كما شنت الأخيرة في يونيو الماضي حرباً على إيران استهدفت منشآت نووية وعسكرية حساسة داخل أراضيها، ما شكل تحدياً غير مسبوق لطهران.
وزادت خسائر إيران الإستراتيجية مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا أواخر عام 2024، وهو الحليف الذي شكّل طوال سنوات محور ارتكاز رئيسي لنفوذها في بلاد الشام. هذا التطور دفع طهران إلى إعادة حساباتها للحفاظ على نفوذها في العراق، الذي أصبح آخر معاقل ثقلها السياسي والعسكري في الإقليم.
ورغم التوترات الإقليمية، حافظ العراق على توازن دقيق في علاقاته مع كل من إيران والولايات المتحدة. ورغم إعلان بعض الفصائل الموالية لطهران مسؤوليتها عن إطلاق صواريخ ومسيّرات ضد مواقع تضم قوات أميركية في العراق وسوريا، إلا أن الحكومة العراقية نجحت حتى الآن في احتواء الموقف ومنع انزلاق البلاد إلى مواجهة مباشرة بين الجانبين.
وتؤكد مصادر سياسية عراقية، أن طهران، بعد خسائرها في سوريا وتراجع نفوذها في بعض مناطق "محور المقاومة"، تعمل على تعزيز حضورها في العراق سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، لضمان استمرار نفوذها في المنطقة. فالعراق بالنسبة لإيران لم يعد مجرد جار، بل خط الدفاع الأول وممر النفوذ نحو المشرق العربي.
وقال المحلل السياسي العراقي د. علي التميمي: إن إيران تعمل في المرحلة الراهنة على إعادة تموضعها داخل العراق للحفاظ على نفوذها الاستراتيجي بعد سلسلة من الخسائر التي منيت بها في الإقليم خلال العامين الماضيين.
وأوضح التميمي في تصريح لـ"للعرب مباشر"، أن طهران تعتبر العراق "العمق الحيوي" لمشروعها الإقليمي منذ عام 2003، وأنها اليوم تحاول تعزيز حضورها عبر أذرعها السياسية والعسكرية في ظل تصاعد الضغوط عليها من الولايات المتحدة وإسرائيل، وفقدانها حلفاء رئيسيين في سوريا ولبنان.
وأشار إلى أن إيران "تعتمد على أدوات متعددة في الداخل العراقي"، تشمل أحزابًا شيعية بارزة وفصائل مسلحة موالية لها تشكل جزءًا من "محور المقاومة"، مضيفًا أن هذه الأطراف تلعب دورًا محوريًا في دعم الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، وفي الوقت نفسه تسعى للحفاظ على مصالح طهران داخل العراق.
وأكد التميمي، أن "العراق يحاول الحفاظ على توازن دقيق في علاقاته مع واشنطن وطهران"، لكن استمرار التصعيد في المنطقة قد يدفع البلاد إلى دائرة الاستقطاب الإقليمي من جديد، خاصة إذا استمرت الهجمات المتبادلة بين الفصائل الموالية لإيران والقوات الأميركية في العراق وسوريا.
وختم قائلاً: إن المرحلة المقبلة "ستشهد اختبارًا حقيقيًا لقدرة طهران على إدارة نفوذها في العراق دون الدخول في مواجهة مفتوحة"، مشيرًا إلى أن هذا الملف سيكون حاسمًا في تحديد مستقبل الدور الإيراني في المنطقة بعد التغيرات الكبرى التي شهدتها خلال العامين الأخيرين.

العرب مباشر
الكلمات