بين الدبلوماسية والضغوط.. لقاء متوتر بين الملك عبد الله وترامب
بين الدبلوماسية والضغوط.. لقاء متوتر بين الملك عبد الله وترامب

في ظل أجواء مشحونة ومواقف متباينة، يستعد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في اجتماع يحمل أبعادًا سياسية وأمنية حساسة، تتجاوز العلاقات الثنائية إلى مصير القضية الفلسطينية. يأتي هذا اللقاء وسط تصعيد دبلوماسي ناجم عن مقترح مثير للجدل طرحه ترامب، يدعو إلى إعادة تطوير قطاع غزة وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، وهو مقترح ينطوي ضمنيًا على إعادة توطين الفلسطينيين خارج القطاع، ما أثار موجة رفض واسعة في العالم العربي، كما زاد التوتر مع تهديد ترامب بقطع المساعدات عن الدول العربية الرافضة لهذه الخطة، في خطوة تعكس نهجه القائم على فرض الضغوط الاقتصادية لتحقيق أهدافه السياسية، وعلى وقع هذه التحديات، يتمسك الأردن بموقفه الثابت برفض أي تحركات قد تفضي إلى تهجير الفلسطينيين، مؤكداً أن أي تغيير قسري في التركيبة السكانية للمنطقة سيؤجج التوترات ويدفع المنطقة نحو مزيد من الفوضى، فهل ينجح الملك عبد الله في احتواء الضغوط الأميركية، أم أن المنطقة مقبلة على أزمة جديدة؟
*مواجهة سياسية*
توجه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن في زيارة تكتسب أهمية استثنائية، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اجتماع يوصف بأنه سيكون أحد أكثر اللقاءات توترًا بين الجانبين منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
تأتي هذه الزيارة في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط توترات متزايدة، خصوصًا بعد إعلان ترامب عن خطته لإعادة تطوير غزة، وهي مبادرة أثارت جدلاً واسعًا، ليس فقط بسبب بعدها الاقتصادي، بل بسبب ما تحمله من دلالات سياسية، أبرزها احتمال إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في دول الجوار، وهو ما يرفضه الأردن بشكل قاطع.
ويبدو أن الاجتماع لن يكون مجرد لقاء بروتوكولي، بل سيكون ساحة مواجهة سياسية تتحدد فيها ملامح المرحلة المقبلة، خاصة في ظل الضغوط الأميركية المتزايدة على الدول العربية لتقبل مقترحات لا تتوافق مع مصالحها الاستراتيجية.
*ثوابت لا تتغير*
خلال لقائه بمستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، وبحضور ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله، شدد الملك عبد الله الثاني على الموقف الأردني الثابت تجاه القضية الفلسطينية، مؤكداً أن حل الدولتين هو المسار الوحيد لتحقيق سلام عادل ومستدام في المنطقة.
وأوضح العاهل الأردني أن أي محاولات لإعادة رسم المشهد الديموغرافي في فلسطين، سواء عبر تهجير قسري أو فرض حلول تتجاهل الحقوق الفلسطينية، ستؤدي إلى تداعيات خطيرة، قد تفتح الباب أمام موجة جديدة من التطرف وعدم الاستقرار في المنطقة.
كما شدد على أن الأردن لن يكون طرفًا في أي ترتيبات تهدف إلى تغيير الوضع السكاني والسياسي، وأن أمن المملكة واستقرارها لا يمكن أن يكونا محل مساومة أو ضغوط.
هذا الموقف يعكس عمق القلق الأردني إزاء التحركات الأميركية، لا سيما في ظل ارتباط الأردن تاريخيًا وقانونيًا بالقضية الفلسطينية عبر دوره كوصي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
*تداعيات مقترح ترامب*
يشكل مقترح ترامب جزءًا من استراتيجية أميركية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق المصالح الأميركية والإسرائيلية، لكنه قوبل برفض عربي ودولي واسع.
إذ يُنظر إلى الخطة على أنها محاولة لتفريغ قطاع غزة من سكانه وتحويله إلى منطقة استثمارية تحت إشراف أميركي، فيما يتم إعادة توطين الفلسطينيين في دول أخرى، وهو ما يهدد بإعادة رسم خريطة المنطقة ديموغرافيًا وسياسيًا.
ورغم أن المقترح طُرح تحت غطاء التنمية الاقتصادية، فإن الكثير من المراقبين يرون فيه محاولة للتخلص من القضية الفلسطينية عبر تصفية الوجود الفلسطيني في غزة.
ويأتي ذلك في وقت يشهد الوضع الأمني بين إسرائيل وحركة حماس توترات متصاعدة، حيث لا يزال اتفاق وقف إطلاق النار هشًا، مما يجعل المنطقة على حافة انفجار جديد، كما أن الموقف الأميركي المتذبذب تجاه حلفائه العرب يزيد من تعقيد المشهد، حيث يتأرجح بين تقديم وعود بالدعم والتهديد بقطع المساعدات.
*تهديدات متبادلة.. وحماس تصعّد موقفها*
من جانبها، أعلنت حركة حماس أنها ستوقف عمليات إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين حتى إشعار آخر، متهمة إسرائيل بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
هذا التصعيد يأتي في سياق متوتر بالفعل، حيث لوّح ترامب من جانبه بإلغاء وقف إطلاق النار إذا لم تطلق حماس جميع الرهائن المحتجزين منذ 7 أكتوبر 2023 بحلول نهاية الأسبوع.
ويعكس هذا التصعيد المتبادل حجم التوتر الذي يخيّم على المنطقة، حيث تجد الأطراف المختلفة نفسها أمام خيارات محدودة تزيد من احتمالات الانفجار الأمني.
وبالتزامن مع ذلك، تتزايد الضغوط على الدول العربية، حيث تسعى واشنطن لإقناعهم بقبول مقترح توطين اللاجئين الفلسطينيين خارج غزة، وهو ما يواجه رفضًا قاطعًا من عدة دول، وعلى رأسها الأردن ومصر.
في هذا السياق، تبدو المعادلة الأمنية أكثر تعقيدًا، حيث تجد حماس نفسها في مواجهة ضغوط أميركية وإسرائيلية متزايدة، بينما تحاول الدول العربية الحفاظ على توازن دقيق بين مصالحها الأمنية والضغوط الخارجية.
*ضغوط خارجية وداخلية*
يجد الأردن نفسه أمام تحدٍ مزدوج؛ فمن ناحية، يسعى إلى حماية استقراره الداخلي في ظل الغليان الشعبي الرافض لأي محاولات لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين داخل المملكة، ومن ناحية أخرى، يواجه تهديدات أميركية مباشرة بقطع المساعدات إذا رفض الامتثال لمقترحات واشنطن.
الأردن، الذي يستضيف بالفعل أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني، يعاني من أعباء اقتصادية متزايدة، ويعتمد بشكل كبير على الدعم الأميركي، الذي يتجاوز مليار دولار سنويًا، لمساعدته في مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية.
وفي هذا السياق، صرّح ترامب -خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض- قائلاً: "أعتقد أنه سيقبل لاجئين"، في إشارة إلى الملك عبد الله، ما أثار تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين عمان وواشنطن.
من جهة أخرى، فإن الداخل الأردني يشهد حالة من الرفض الشعبي والسياسي لأي خطوة قد تمس التوازن الديموغرافي في المملكة، حيث تعتبر القضية الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي الأردني.
ومع تصاعد هذه الضغوط، يجد الأردن نفسه في موقف صعب، حيث يتوجب عليه المناورة بحذر بين حماية مصالحه الوطنية والحفاظ على علاقاته مع واشنطن.
تعد الولايات المتحدة أكبر داعم اقتصادي وعسكري للأردن، حيث تتجاوز المساعدات السنوية المقدمة له مليار دولار. لكن هذه المساعدات باتت اليوم ورقة ضغط سياسية، إذ لوّح ترامب بوقفها عن الأردن ومصر في حال عدم الامتثال لخطته بشأن غزة.
ومع أن الأردن يعتمد على هذه المساعدات في دعم اقتصاده، إلا أن موقفه الرافض للتهجير الفلسطيني قد يدفعه للبحث عن بدائل استراتيجية للحفاظ على استقلالية قراراته.
*تحدّ مزدوج*
من جانبه، يقول يقول د. محمد تركي، أستاذ العلوم السياسية الأردني: إن اللقاء بين الملك عبد الله الثاني والرئيس الأميركي دونالد ترامب يعكس مرحلة مفصلية في العلاقات الأردنية- الأميركية، في ظل الضغوط المتزايدة التي تمارسها واشنطن لفرض رؤيتها تجاه القضية الفلسطينية.
وأوضح تركي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الأردن، بحكم موقعه الجغرافي ودوره التاريخي في حماية الحقوق الفلسطينية، يجد نفسه في مواجهة تحدٍّ مزدوج يتمثل في مقاومة أي محاولة لتغيير الواقع الديموغرافي للمنطقة، وفي الوقت ذاته، الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، التي تعد الداعم الأكبر للمملكة اقتصاديًا وعسكريًا.
ويضيف تركي، أن مقترح ترامب لإعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة ليس مجرد خطة اقتصادية، بل خطوة تمهيدية لتصفية القضية الفلسطينية بشكل تدريجي، وهو ما يفسر الرفض القاطع من الأردن ومصر والسعودية والدول العربية الأخرى.
كما يشير أن التهديد بقطع المساعدات ليس سوى ورقة ضغط سياسية، إذ تدرك واشنطن أن استقرار الأردن يصب في مصلحة الأمن الإقليمي، ويختم تركي بأن نجاح الأردن في التصدي لهذه الضغوط يعتمد على قدرته على حشد دعم عربي ودولي لموقفه، مع تعزيز استقلالية قراره السياسي لحماية استقراره الداخلي على المدى الطويل.