ما بين انسحاب القوى الكبرى وفراغ الساحات.. هل يستغل داعش اللحظة؟
ما بين انسحاب القوى الكبرى وفراغ الساحات.. هل يستغل داعش اللحظة؟

تتزايد المؤشرات الميدانية التي تنذر بإمكانية عودة تنظيم "داعش" إلى النشاط في عدد من البؤر الساخنة، خصوصًا في العراق وسوريا، بالتزامن مع تقارير عن تمدده في بعض مناطق أفريقيا وآسيا.
وبينما كانت الهزيمة العسكرية المكانية للتنظيم قد أعلنت منذ سنوات، فإن الواقع الميداني وتحولات موازين القوى تطرح تساؤلات حول مدى قدرة التنظيم على استغلال الفراغات الأمنية المتنامية في أكثر من منطقة.
من السيطرة إلى الكمون
ما بات واضحًا في الآونة الأخيرة هو أن التنظيم لم يهزم بشكل نهائي، بل غير من استراتيجيته وأسلوبه، منتقلاً من فكرة السيطرة الإقليمية إلى العمل عبر خلايا صغيرة شديدة الحركة والمرونة.
وتسجل في مناطق عديدة حوادث أمنية تحمل بصمات أسلوبه القديم: اغتيالات، كمائن، وهجمات سريعة تستهدف عناصر أمنية أو مواقع عسكرية.
هذا التغير في التكتيك يعكس تكيفًا واضحًا مع الواقع الجديد، حيث بات التنظيم يعتمد على بيئات رخوة أمنيًا ومجتمعات تعاني من التهميش والضغوط الاقتصادية، ما يمنحه هامشًا للتحرك والتخفي.
هشاشة البنية الأمنية.. مدخل للعودة
المناطق الخارجة من النزاع المسلح، خصوصًا في شرق سوريا وغرب العراق، ما تزال تعاني من هشاشة في البنى التحتية والأمنية، بالإضافة إلى غياب مظاهر الدولة الفاعلة، هذا الوضع يوفر بيئة خصبة لأي تنظيم متطرف يسعى إلى إعادة الظهور عبر توظيف مشاعر الغضب الشعبي والانقسام المجتمعي.
كما أن بعض المناطق تشهد توترات محلية على خلفيات طائفية أو قبلية، وهو ما يمنح التنظيم فرصة للتسلل مستغلاً تلك الانقسامات لصالح استقطاب أفراد جدد أو خلق حالة من الفوضى المنظمة.
التنظيم لا يسعى للعودة كدولة
رغم تصاعد المخاوف، إلا أن الشكل المتوقع لعودة "داعش" يختلف عن مشهد العام 2014، فلا مؤشرات على أنه بصدد إعادة سيناريو الدولة المعلنة، بل يسعى إلى استراتيجية استنزاف طويلة الأمد عبر هجمات خاطفة تضرب وتختفي.
الهدف لم يعد إقامة "خلافة"، بل زعزعة الأمن، وإرباك الخصوم، واستغلال أي مساحة متروكة دون رقابة.
انسحاب القوى الكبرى.. فجوة مفتوحة
التحولات الدولية، وعلى رأسها الانسحاب أو تقليص الوجود العسكري لبعض القوى الكبرى من مناطق النزاع، تركت وراءها فراغات أمنية خطيرة، في غياب خطط بديلة واضحة أو قوى محلية قادرة على ملء هذه الفجوات، يبدو أن التنظيم يحاول شغل هذا الحيز بأساليب مختلفة، مستفيدًا من انشغال المجتمع الدولي بأزمات أخرى.
مواجهة بتكلفة مختلفة
في ظل هذا الواقع، فإن مواجهة "داعش" لم تعد مجرد مسألة عسكرية، التحدي اليوم هو في خلق مقاربة شاملة تعالج الأسباب الجذرية التي ساهمت في صعود التنظيم سابقًا، من الفقر والبطالة، إلى غياب العدالة وانعدام الثقة في المؤسسات الرسمية.
ما بين انسحاب القوى الكبرى، وتراجع الخدمات، وتآكل الثقة بالمؤسسات، تتسع الثغرات التي اعتاد "داعش" النفاذ منها.
ويقول الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، سامح عيد: إن ما نشهده اليوم ليس عودة تقليدية لتنظيم داعش، بل ولادة لنسخة أكثر خفاءً ومرونة، تستفيد من هشاشة المناطق التي انسحبت منها القوى الكبرى دون ترك منظومات أمنية فعالة، والتحول من السيطرة الإقليمية إلى نمط الكرّ والفرّ يمثل تكيّفًا تكتيكيًا، وليس انحسارًا حقيقيًا، والتنظيم أعاد بناء نفسه ككيان ظل قادر على توجيه ضربات موجعة في أكثر من ساحة.
ويضيف عيد -في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، أن فراغ الساحات لا يعني فقط غياب الجيوش، بل يشمل أيضًا انهيار منظومات العدالة والخدمات، وهذا ما يعرفه داعش جيدًا ويستغله لتأمين الحاضنة المحلية ولو مؤقتًا، وبيئات ما بعد الصراع، الممزقة طائفيًا والمهمشة تنمويا، تشكل أرضًا خصبة لتمدد الفكر المتطرف، ولا يحتاج التنظيم أكثر من نافذة صغيرة للتسلل وإعادة التموضع.