دماء على رمال الأُبيض: الصراع يحصد أرواح مئات السودانيين في قلب كردفان
الصراع يحصد أرواح مئات السودانيين في قلب كردفان
تتحرك القطع العسكرية وتتعالى أصوات المدافع في مدينة الأُبيض، معلنة عن تحول جديد في مسار الصراع بإقليم كردفان. الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية تتجلى في كل زاوية، والمعارك الدائرة تشير إلى تغيير محتمل في موازين القوى، وسط تساؤلات عن مستقبل المنطقة وأهلها بعد معارك عنيفة أسفرت عن مقتل المئات من جنود الجيش وقوات الدعم السريع؛ مما يثير القلق الدولي والمحلي حول الأوضاع الإنسانية والمعيشية في المنطقة.
*الموقف الميداني*
في تحول مأساوي للأحداث، تشير المعلومات المتضاربة إلى أن الاشتباكات العنيفة التي دارت في محيط مدينة الأبيض قد أسفرت عن خسائر بشرية جسيمة.
تقارير صادرة عن منصات تابعة للجيش تفيد بمقتل ما يقارب 700 من جنودهم، في حين تشير منصات مستقلة وأخرى تابعة لقوات الدعم السريع إلى أن العدد قد يتجاوز الألف قتيل من كلا الطرفين، مما يعكس شدة القتال والتضحيات البشرية الكبيرة التي تكبدتها القوات المتنازعة.
المعارك لم تقتصر على الأبيض، المعروفة بـ"عروس الرمال"، بل امتدت إلى مناطق أخرى في إقليم كردفان، مثل تندلتي وأم روابه في ولاية شمال كردفان.
هذه المناطق شهدت أيضًا اشتباكات عنيفة، مما يشير إلى توسع نطاق الصراع وتأثيره على مناطق واسعة من الإقليم، ويعقد من مهمة تقييم الخسائر البشرية والمادية الناجمة عن هذه المواجهات.
تبقى الأرقام الدقيقة للخسائر البشرية غير مؤكدة بسبب صعوبة الوصول إلى المناطق المتأثرة والتحقق من المعلومات في ظل النزاع الدائر، لكن الأعداد المتداولة تعطي مؤشرًا على حجم العنف والدمار الذي تشهده المنطقة.
*التحركات العسكرية*
في تطور لافت للأحداث، أظهرت قوات الدعم السريع قدرة عسكرية ملحوظة من خلال استيلائها على معدات عسكرية مهمة، وذلك عقب مطاردة مكثفة لفرقة الهجانة التابعة للجيش.
هذا الاستيلاء شمل 13 عربة قتالية و3 مدرعات ودبابات، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، هذه الغنائم العسكرية تعكس التفوق الاستراتيجي لقوات الدعم السريع وتشير إلى تغير موازين القوى على الأرض، في الوقت ذاته، تقوم قوات الدعم السريع بتحشيد قواتها وتعزيز مواقعها حول مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
التحشيد يشمل آلاف المقاتلين المجهزين بأسلحة خفيفة وثقيلة، مما يعطي مؤشرات على إمكانية نشوب مواجهة عسكرية واسعة النطاق، هذه التحركات تأتي في ظل تصاعد التوترات والاشتباكات في المنطقة، وتنذر بإمكانية حدوث صدام شامل وشيك قد يؤثر بشكل كبير على الوضع الأمني والإنساني في المدينة والمناطق المحيطة بها.
*التحذيرات الدولية*
المجتمع الدولي يعبر عن قلقه المتزايد إزاء الأوضاع في مدينة الفاشر، حيث تتصاعد المخاوف من اندلاع مواجهة شاملة بين الجيش وقوات الدعم السريع. النداءات الدولية المتكررة تدعو إلى تجنب القتال وحماية المدنيين، لكن رغم ذلك، تستمر الاستعدادات العسكرية والتحركات الفعلية التي تشير إلى احتمالية وقوع صدامات عنيفة.
التقارير الواردة تفيد بأن قوات الدعم السريع تواصل الدفع بآلاف المقاتلين المدججين بالأسلحة نحو المدينة، في حين يقوم سلاح الجو التابع للجيش بتنفيذ طلعات جوية فوق الفاشر. هذه الأعمال العسكرية تأتي وسط تقارير عن قصف جوي مكثف واشتباكات بالأسلحة الخفيفة في عدد من أحياء المدينة، مما يزيد من حدة التوتر ويعقد الوضع الإنساني.
في ظل هذه الأجواء المتوترة، تمكنت قوات الدعم السريع من إسقاط طائرة من طراز انتينوف، وفقًا لمقطع فيديو نشرته منصات إعلامية تابعة لها، مما يعزز من موقفها العسكري ويشير إلى قدرتها على مواجهة القوة الجوية للجيش.
الأوضاع الإنسانية تتدهور بشكل ملحوظ، حيث يعاني السكان المحليون والنازحون من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب. الأمم المتحدة تحذر من خروج الأوضاع عن السيطرة وتناشد الأطراف المتحاربة بوقف القتال وفتح الممرات الإنسانية لإنقاذ الجوعى والمحاصرين.
المخاوف الدولية تتزايد أيضًا بشأن الحصار الشديد الذي تعيشه الفاشر، والذي يؤثر بشكل كبير على الأوضاع الصحية والمعيشية للسكان. الوضع المتأزم يتفاقم بسبب النقص الحاد في المعينات الطبية والسلع الأساسية، مما يدفع الأسعار للارتفاع بشكل كبير ويهدد بحدوث مجاعة وشيكة إذا لم يتم التدخل العاجل لتقديم المساعدات الإنسانية.
وتعاني الفاشر من حصار شديد، مع تردي الأوضاع الصحية والمعيشية وارتفاع أسعار السلع الأساسية. وكالات الأمم المتحدة تحذر من مجاعة وشيكة إذا لم يتم تقديم المساعدات اللازمة.
*تغيير موازين القوى*
من جانبه، يقول المحلل السياسي السوداني، محمد عبد الله: إن الوضع في الفاشر يمكن وصفه بأنه كارثي، مضيفًا نحن نقف على حافة مجاعة قد تعيد الصراعات القبلية التي مزقت النسيج الاجتماعي في دارفور منذ عقدين.
وأضاف في حديثه لـ"العرب مباشر"، يجب على العالم أن يتحرك بسرعة لجمع الأطراف المتحاربة على طاولة المفاوضات ووضع حد لهذه الحرب، وإلا فإن المدنيين الأبرياء سيستمرون في دفع ثمن باهظ للغاية.
وتابع عبدالله، التطورات الأخيرة في الفاشر تشير إلى تغير محتمل في موازين القوى، مؤكدًا أن الاستيلاء على المعدات العسكرية والتحشيد الكبير للقوات ينذر بمواجهة قد تكون حاسمة.
وأشار المحلل السياسي السوداني، إلى الأهمية الاستراتيجية للفاشر تجعلها نقطة محورية في الصراع، والسيطرة عليها قد تعني تحولاً في الحرب، الحاجة ماسة لتدخل دولي يضمن الأمن ويحمي المدنيين من تداعيات القتال.