التصعيد الإيراني- الإسرائيلي.. هل تنجح الدبلوماسية في كبح جماح المواجهة؟
التصعيد الإيراني- الإسرائيلي.. هل تنجح الدبلوماسية في كبح جماح المواجهة؟

تتصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة، مدفوعة بتحركات عسكرية متسارعة وقرارات استراتيجية من الجانبين.
وبينما تتحدث طهران عن جاهزيتها لكل السيناريوهات، تكثف تل أبيب استعداداتها بدعم أميركي غير محدود، مما يعزز المخاوف من احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية شاملة قد تعيد رسم خارطة النفوذ الإقليمي، في ظل هذا المشهد المتأزم، تتداخل الحسابات السياسية والعسكرية، حيث تسعى الأطراف المختلفة إلى تحقيق مكاسب استراتيجية دون الانزلاق إلى حرب لا يمكن التنبؤ بعواقبها، فهل تكون هذه المرحلة تمهيدًا لصدام حتمي، أم أن الوساطات الدبلوماسية ما تزال قادرة على احتواء الأزمة؟
الاستعدادات العسكرية الإسرائيلية.. تصعيد أم ردع؟
تعمل إسرائيل على تعزيز تفوقها العسكري في مواجهة ما تعتبره تهديدًا استراتيجيًا متزايدًا من إيران، خاصةً مع التقارير التي تشير إلى تنامي القدرات الصاروخية الإيرانية. فقد كثفت تل أبيب طلباتها من الأسلحة المتطورة، وسط إشارات إلى اعتمادها على الدعم الأميركي لضمان تفوقها النوعي.
وبحسب تقارير استخباراتية، فقد وافقت الإدارة الأميركية على تسليم إسرائيل ذخائر متطورة، شملت قنابل خارقة للتحصينات قادرة على استهداف المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض، بحسب وول ستريت جورنال.
كما أقرّ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو تحويل مساعدات عسكرية استثنائية لإسرائيل بقيمة أربعة مليارات دولار، ما يعكس التزام واشنطن بضمان تفوقها الاستراتيجي في المنطقة.
في هذا السياق، يرى مراقبون، أن حكومة بنيامين نتنياهو قد تستغل الأزمة الإقليمية لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية التي تواجهها، سواء على المستوى السياسي أو الأمني. فالتصعيد ضد إيران قد يخدم أجندة نتنياهو في توحيد الجبهة الداخلية وكسب دعم القوى اليمينية المتشددة، في وقت تتزايد فيه الانتقادات لسياساته داخليًا وخارجيًا.
إيران تستعد لكل السيناريوهات
على الجانب الآخر، تؤكد إيران أنها لا تسعى إلى التصعيد، لكنها مستعدة للرد على أي استهداف عسكري إسرائيلي. وقد شدد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على أن بلاده تمر بمرحلة غير مسبوقة من التحديات، مشيرًا أن "المواجهة الحالية أصعب من حرب العراق"، في إشارة إلى تعقيد المشهد الأمني والسياسي الذي تواجهه طهران.
أما قائد الجيش الإيراني عبد الرحيم موسوي، فقد أكد أن بلاده "لن تكون البادئة بالحرب، لكنها لن تتهاون في الرد على أي اعتداء"، محذرًا من أن أي حسابات خاطئة قد تقود إلى انفجار لا يمكن احتواؤه.
وتشير مصادر أمنية، أن إيران عززت من قدراتها الدفاعية، خصوصًا في مجال الدفاع الجوي وأنظمة الصواريخ الباليستية، تحسبًا لأي هجوم محتمل.
كما كثفت طهران تحركاتها الدبلوماسية لإقناع القوى الإقليمية والدولية بضرورة الضغط على إسرائيل لمنع التصعيد.
مواجهة عسكرية قد تكون مكلفة للجميع
من جانبه، يقول د. محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية: إن "الأوضاع الحالية تعكس صراعًا مركبًا بين إيران وإسرائيل، حيث تسعى كل منهما لفرض قواعد اشتباك جديدة دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة".
ويضيف في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن إسرائيل تدرك أن أي استهداف مباشر لإيران قد يفتح الباب أمام ردود فعل غير متوقعة، سواء من خلال ضربات صاروخية مكثفة أو تحركات من قبل حلفاء طهران في المنطقة، مما قد يشعل صراعًا إقليميًا أوسع.
وفي المقابل، يدرك صانعو القرار في طهران أن أي تصعيد غير محسوب قد يمنح إسرائيل مبررًا لشن ضربات عسكرية مؤلمة، وهو ما يجعل الخيارات الدبلوماسية لا تزال مطروحة بقوة.
معادلة ردع غير مستقرة
في السياق ذاته، يقول د. محمد محسن المتخصص في الشؤون الإيرانية، إن التصعيد الحالي بين إيران وإسرائيل يعكس معادلة ردع غير مستقرة، حيث يسعى الطرفان إلى فرض قواعد اشتباك جديدة دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة.
ويؤكد في تصريحات لـ"العرب مباشر"، أن إيران تدرك أن أي مواجهة واسعة ستستنزف مواردها، لكنها في الوقت ذاته تريد إرسال رسالة واضحة بأن قدراتها العسكرية لم تتأثر بالعقوبات أو بالضغوط الإسرائيلية.
ويشير محسن إلى أن إسرائيل، من جانبها، تستغل التصعيد لتعزيز تماسكها الداخلي وتبرير عملياتها العسكرية، لا سيما مع الدعم الأميركي غير المشروط.
لكنه يحذر من أن أي خطأ في الحسابات قد يدفع المنطقة إلى مواجهة لا يمكن احتواؤها، خاصة في ظل عدم وجود قنوات تواصل مباشرة بين الطرفين، مضيفًا، في النهاية، التصعيد الحالي هو جزء من حرب باردة إقليمية، حيث تسعى كل قوة لإثبات أنها صاحبة اليد العليا دون خوض معركة مكلفة.
وتابع محسن: في ظل هذه التطورات المتسارعة، تتباين السيناريوهات المحتملة لما قد يحدث خلال الفترة المقبلة، فبينما تبدو المواجهة العسكرية خيارًا مطروحًا في حال استمرار التصعيد، فإن الضغوط الدولية والوساطات الإقليمية قد تنجح في احتواء الأزمة وتجنب الحرب.