كشمير تشتعل مجددًا.. 38 قتيلاً في أعنف مواجهة بين الهند وباكستان منذ عقدين
كشمير تشتعل مجددًا.. 38 قتيلاً في أعنف مواجهة بين الهند وباكستان منذ عقدين

في مشهد يعيد إلى الأذهان شبح الحروب التي لطالما خيمت على شبه القارة الهندية، اندلعت موجة عنف غير مسبوقة بين الجارتين النوويتين، الهند وباكستان، أودت بحياة ما لا يقل عن 38 شخصًا خلال أقل من 24 ساعة، التصعيد الذي بدأ بقصف متبادل عبر الحدود في إقليم كشمير المتنازع عليه، تطور بسرعة ليتحول إلى أعنف مواجهة بين البلدين منذ أكثر من عشرين عامًا، وسط تنديدات دولية ومخاوف من انزلاق الأوضاع إلى حرب شاملة، وبينما تبادلت الحكومتان الاتهامات ورفعتا مستوى الاستعداد العسكري، دخلت قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا على خط الأزمة داعية إلى التهدئة وضبط النفس، لكن خلف الضجيج الدبلوماسي والبيانات العسكرية، تظل كشمير الجريحة ساحة مفتوحة للتصعيد، يدفع المدنيون فيها الثمن الأكبر.
*شبح الحرب*
في فجر يوم الأربعاء، تجددت نيران الحرب على سفوح جبال كشمير، حين تبادلت القوات الهندية والباكستانية القصف عبر "خط السيطرة" الذي يفصل شطري الإقليم المتنازع عليه، في تطور وصفه مراقبون بأنه "الأخطر منذ اختبار البلدين لأسلحتهما النووية نهاية التسعينيات".
وزارة الدفاع الباكستانية أعلنت عن مقتل 26 شخصًا في المناطق الحدودية بسبب قصف صاروخي وصفته بـ"المكثف" من قبل الجيش الهندي، الذي بدوره أشار إلى مقتل 12 مدنيًا هنديًا إثر نيران باكستانية.
وفيما تباهى الجيش الهندي بنجاح "عملية سيندور" التي استهدفت تسعة معسكرات على الجانب الباكستاني، أعلنت إسلام آباد أنها أسقطت خمس طائرات هندية، من بينها ثلاث طائرات رافال فرنسية الصنع، رداً على الضربات، إضافة إلى اتهام مباشر للهند باستهداف منشآت مدنية حيوية بينها سد كهرومائي في نيلوم جيلوم.
*حرب كلامية وتعبئة نفسية*
بيان الجيش الهندي، الذي جاء في نبرة احتفالية وأرفق بصورة لاسم العملية، لم يترك مجالاً للشك بأن نيودلهي تتبنى استراتيجية هجومية جديدة تعتمد على توجيه ضربات "جراحية دقيقة" إلى ما تعتبره "معسكرات إرهابية" في باكستان.
وفي المقابل، جاء رد الجيش الباكستاني أكثر حدة، حيث تحدث اللفتنانت جنرال أحمد شودري عن "عدوان سافر استهدف بنى تحتية مدنية" متوعدًا برد "واسع النطاق".
هذه الحرب النفسية انعكست أيضًا في التصريحات الرسمية.
وزير الإعلام الباكستاني، عطاء الله تارار، وصف الضربات الهندية بأنها "تجاوز فاضح للخطوط الحمراء"، بينما صرّحت المتحدثة باسم الجيش الهندي، فيوميكا سينغ، بأن العملية جرت "مع تجنب أي أضرار جانبية" ما يوحي بمراعاة دعائية للجانب الإنساني وسط التصعيد.
*قلق دولي متصاعد*
المواجهة لم تمر بصمت في العواصم العالمية، الولايات المتحدة طالبات الجانبان بضبط النفس، ولندن أعلنت استعدادها للعب دور الوسيط، عبر تصريح لوزير التجارة البريطاني، جوناثان رينولدز، أشار فيه إلى أهمية "خفض التصعيد عبر الحوار"، أما موسكو، التي تربطها علاقات تاريخية بكل من نيودلهي وإسلام آباد، فقد عبّرت عن "قلق بالغ" وحثّت الطرفين على ضبط النفس، مجددةً رفضها لكافة أشكال "الإرهاب".
التحرك الروسي تحديدًا يحمل رمزية كبيرة، في ظل محاولاتها تعزيز نفوذها في جنوب آسيا كقوة موازنة للنفوذ الأميركي في الهند والصيني في باكستان.
ويُحتمل أن تستغل موسكو هذه الأزمة لإعادة تفعيل دورها كوسيط في منطقة لطالما كانت خارج أولوياتها الاستراتيجية المباشرة.
كشمير.. جرح مفتوح
رغم التهدئة التي سادت نسبيًا في السنوات الأخيرة، ظل إقليم كشمير قنبلة موقوتة، إذ تعود جذور النزاع إلى لحظة انفصال الهند وباكستان عام 1947، وما تلاها من ثلاث حروب رئيسية وتوترات مستمرة.
ويعتبر الطرفان الإقليم جزءًا لا يتجزأ من أراضيهما، فيما تعاني الغالبية المسلمة في كشمير من انقسامات حادة بين من يطالبون بالانضمام إلى باكستان ومن يطالبون بالاستقلال.
الهجوم الهندي جاء كرد فعل على عملية مسلحة استهدفت جنودًا في كشمير الهندية يوم 22 أبريل، وأسفرت عن مقتل عدد منهم.
وتتهم الهند جماعات مسلحة تنشط من داخل الأراضي الباكستانية بالوقوف وراء الهجوم، في حين تنفي باكستان ذلك، وتتهم الهند باستخدام تلك العمليات كذريعة لتصعيد القمع في كشمير.
السيناريوهات المحتملة: التصعيد أم التراجع؟
لا يستبعد مراقبون احتمال أن تنزلق الأمور إلى ما هو أبعد من مجرد تبادل قصف، لا سيما في ظل استمرار التراشق الإعلامي والعسكري، وتراجع الوساطات الفعالة في الوقت الحالي.
ومع امتلاك البلدين لترسانتين نوويتين، يبقى الخطر الأكبر هو سوء تقدير يقود إلى اشتباك شامل قد يتعدى كشمير.
لكن ثمة من يراهن على أن التوازنات الدولية، والضغوط الأميركية والصينية المحتملة، قد تفرض تهدئة مؤقتة، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات في كلا البلدين، حيث يُنظر إلى التصعيد على أنه ورقة انتخابية أكثر منه خيارًا استراتيجيًا.