صراع التيارين.. إيران مقابل تركيا وقطر
صراع التيارين.. إيران مقابل تركيا وقطر
الفضيحة لم تكن حدثًا مفاجئًا داخل الحركة، بل جاءت لتكشف تصدعًا عميقًا ومزمنًا بين تيارين كبيرين في حماس، تيار الخارج المرتبط بالإخوان والمحور التركي– القطري، بقيادة خالد مشعل، وتيار الداخل المقرّب من إيران، بقيادة خليل الحية وعدد من القيادات العسكرية.
التيار الأول يفضّل توجهًا سياسيًا أكثر براغماتية، يقوم على الانفتاح على الدول السنية ودعم الإخوان الإقليمي. أما التيار الثاني، فيرى أن مستقبل الحركة يعتمد على الدعم الإيراني العسكري والمالي الذي حافظ على صمودها خلال المعارك.
تفاقم الخلاف بعد اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر 2025، وهو اتفاق وضع الحركة أمام مرحلة جديدة تتطلب إدارة حكومية، وآليات لإعادة الإعمار، وشبكات تمويل رسمية. هنا، شعر تيار الداخل بأن نفوذ مشعل قد يتعزز إذا تمكّن من التحكم في تدفق المساعدات الدولية الجديدة، المقدّرة بمليارات الدولارات.
وفي يناير 2024، قام تيار الحية بخطوة كبيرة حين سرّب وثيقة داخلية بعنوان: "رفع الغطاء عن مؤسسات وأشخاص"، وُجهت فيها اتهامات مباشرة لأسماء مثل: يزيد نوفل (سعيد أبو العبد)، وخلدون حجازي، وغيرهما، بشراء عقارات فارهة في تركيا وأوروبا بأموال التبرعات.
ردّت المؤسسات المتهمة بدعاوى قضائية في تركيا، وأعلنت عن إجراءات تصحيحية، لكن دون إعادة الأموال أو نشر نتائج تحقيقات شفافة. بل إن بعض المتهمين غادروا إلى أوروبا، وحصلوا على إقامة مقابل معلومات قد تكون أمنية، ما اعتُبر في نظر حماس "خيانة كاملة".
بين تصفية الحسابات والانهيار الأخلاقي
في العمق، يرى مراقبون، أن الفضيحة ليست مجرد وثائق مسرّبة، بل حلقة جديدة من حرب النفوذ بين المحورين الإيراني والإخواني. التيار الإيراني يسعى إلى تحجيم دور مشعل الذي ينظر إليه على أنه يميل للتسويات السياسية، بينما يسعى تيار الخارج إلى الحفاظ على قنوات التمويل التي شكّلت تاريخيًا العمود الفقري للحركة في المنفى.
لكن أخطر ما تكشفه القضية هو تآكل البعد الأخلاقي للعمل الإغاثي. تقارير دولية تؤكد أن جزءًا كبيرًا من التبرعات المخصّصة لغزة يتسرّب في العادة إلى شبكات سماسرة أو مشاريع خاصة.
غير أن حجم الاختلاسات هذه المرة، في ظل دمار هائل خلّف أكثر من 46 ألف قتيل ودمّر 70% من بنية القطاع العمرانية، جعل الغضب الشعبي داخل غزة يتصاعد إلى مستويات غير مسبوقة.
كما أن ظهور شخصيات دينية مؤثرة ضمن حملات جمع التبرعات – دون مساءلة – أدى إلى تآكل الثقة في الخطاب الإنساني الذي استخدم لسنوات لحشد دعم العرب والمسلمين. كثير من المانحين باتوا اليوم يفضّلون تحويل مساعداتهم عبر قنوات رسمية كالأمم المتحدة والهلال الأحمر.

العرب مباشر
الكلمات