صفقة القرن بلا سلام.. واشنطن تمنح إسرائيل غطاءً للضم الكامل للضفة الغربية

صفقة القرن بلا سلام.. واشنطن تمنح إسرائيل غطاءً للضم الكامل للضفة الغربية

صفقة القرن بلا سلام.. واشنطن تمنح إسرائيل غطاءً للضم الكامل للضفة الغربية
ترامب ونتنياهو

في موقف يُعد تحديًا صارخًا لأربعة عقود من السياسة الأمريكية المتوازنة، كرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعهده بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة إلى السيادة الإسرائيلية، وهي خطوة لطالما اعتبرتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، سواء الجمهورية أو الديمقراطية، انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي وتهديدًا لحل الدولتين.

وأكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن ما شجّع نتنياهو على المضي قدمًا في هذا المسار التصعيدي، لم يكن سوى الدعم غير المشروط من حليفه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وتابعت، أنه منذ إعلان ترامب اعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، وقراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وفّرت إدارته غطاءً سياسيًا وشرعيًا لنتنياهو لتبنّي سياسات يعتبرها منتقدوه بمثابة إنهاء فعلي لحلم إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.

تغييرات دائمة لا رجعة فيها

وأكدت الصحيفة، أن الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب، وفقًا لخبراء في الشأن الدبلوماسي، ليست مجرد تحركات ظرفية قابلة للتراجع مع تغيّر الإدارات، بل هي تغييرات جوهرية في السياسة الأمريكية نحو الشرق الأوسط.

وبحسب هؤلاء، فإن هذه التحولات ساهمت في تعقيد فرص السلام إلى حدّ بات معه تحقيق اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين شبه مستحيل.

وقال مارتن إنديك، السفير الأمريكي الأسبق لدى إسرائيل والمبعوث الخاص لعملية السلام في عهد إدارة أوباما: إن ما يجري لا يُبشر بأي سلام حقيقي، موضحًا أن الإدارة الأمريكية تتحدث عن خطة سلام لا أحد يراها، في حين تفرض على الأرض وقائع جديدة تجعل من حل الدولتين هدفًا بعيد المنال.

صمت أمريكي وتواطؤ ضمني

وتابعت الصحيفة، أنه رغم خطورة تصريحات نتنياهو، رفض البيت الأبيض التعليق عليها في حينها، وهو ما فُسر على أنه محاولة لتجنّب الخوض في شأن دبلوماسي حساس قبل الانتخابات الإسرائيلية. غير أن هذا الصمت اعتبره مراقبون مؤشرًا واضحًا على مدى تغلغل تأثير نتنياهو في الإدارة الأمريكية آنذاك، وعمق الدعم الذي تلقاه من ترامب.

وكان نتنياهو قد صرّح لوسائل إعلام إسرائيلية، بأنه ناقش نواياه مع البيت الأبيض، معربًا عن أمله في تنفيذ عملية الضم بدعم أمريكي، لكنه أكد في الوقت نفسه، أنه لن يتراجع عن خططه حتى لو عارضت الولايات المتحدة هذه الخطوة لاحقًا.

إدارة ترامب و"صفقة القرن" الغائبة

فيما استمرت إدارة ترامب في الترويج لفكرة تحقيق ما وصفه بـ"صفقة القرن"، أو اتفاق السلام التاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ظلّت ملامح هذه الصفقة غائبة عن العلن.

وتولّى إعدادها كل من صهره جاريد كوشنر، والمبعوث الخاص جيسون غرينبلات، والسفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان.

 وعلى الرغم من أن الخطة لم تُنشر رسميًا حينها، فإن تصريحات ترامب في مؤتمر لجمعية اليهود الجمهوريين في لاس فيغاس أظهرت طموحه الشخصي لتحقيق ما وصفه بـ"السلام في الشرق الأوسط"، مضيفًا أن نجاح الخطة سيكون مرهونًا بكفاءة طاقمه، وفي حال فشلهم "فلن ينجح أحد أبدًا".

أولوية انتخابية على حساب السلام

الخطاب الذي ألقاه ترامب في المؤتمر نفسه، كشف عن التوتر الكامن بين رغبته في تحقيق السلام وضروراته السياسية الداخلية.

فقد أقرّ بأنه يعلم أن قاعدته الانتخابية اليمينية ربما لا ترحب بأي تسوية تتطلب تقديم تنازلات إسرائيلية، ولذلك ركّز في حديثه على إنجازاته المؤيدة لإسرائيل، مثل: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالجولان، وهي قرارات حظيت بدعم واسع من التيارات اليهودية المحافظة والإنجيليين الأمريكيين.

وفي المقابل، استفاد نتنياهو بشكل مباشر من المواقف الأمريكية خلال حملاته الانتخابية. إعلان ترامب بشأن الجولان، مثلًا، جاء في توقيت بالغ الحساسية حين كان نتنياهو يواجه خصمًا قويًا واتهامات فساد تهدد مستقبله السياسي. 


ولم يتوقف الدعم عند هذا الحد، بل تجاوز ذلك عندما أعلن ترامب تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، وهو ما شكّل هدية سياسية إضافية لنتنياهو، الذي سارع إلى شكره على حسابه الرسمي باللغة العبرية، واصفًا ترامب بأنه "يحمي العالم من عدوان إيران وإرهابها".

ورغم أن ترامب أعرب أحيانًا عن دعمه لحل الدولتين، كما فعل في لقائه مع نتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن سياساته الفعلية كانت منحازة بشكل واضح إلى جانب إسرائيل، لا سيما بعد قطع المساعدات عن الفلسطينيين، إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ووقف التمويل الأمريكي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

تهديد الضم كورقة ضغط أمريكية


وأكدت الصحيفة الأمريكية، أنه مع تجاهل الفلسطينيين للتواصل مع إدارة ترامب عقب قرار نقل السفارة عام 2017، ورفضهم الانخراط في خطة السلام، بات التهديد بالضم أحد آخر أدوات الضغط التي تملكها واشنطن لدفع الفلسطينيين نحو التفاوض.

 وفي حال استمرار الرفض الفلسطيني، يمكن للولايات المتحدة أن تمنح نتنياهو الضوء الأخضر لتنفيذ الضم الفعلي لبعض المناطق في الضفة الغربية.

واعتبر غيث العمري، المفاوض الفلسطيني السابق، أن إعلان السيادة على الجولان كان بمنزلة "فتح صندوق باندورا"، حيث كسر ذلك الإعلان محظورًا سياسيًا ظل قائمًا لعقود، وفتح الباب أمام دعاة الضم في إسرائيل للمطالبة بتطبيقه على الضفة الغربية.

دوافع انتخابية أم تحوّل استراتيجي؟


في الوقت الذي يعتبر فيه بعض المحللين أن تصريحات نتنياهو هي مجرد مناورة انتخابية لاستقطاب أصوات اليمين المتطرف، يرى آخرون أن الضغوط الداخلية قد تدفعه إلى تنفيذ الضم بالفعل، لا سيما في حال فشل خطة ترامب للسلام أو قوبلت بالرفض الفلسطيني، وهو ما يمنح نتنياهو ذريعة لتنفيذ ضم جزئي للمستوطنات الكبرى.

ويرى ديفيد ماكوفسكي، الباحث البارز في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن نتنياهو يدرك تمامًا مخاطر هذه الخطوة، التي قد تُحوّل الوضع في الضفة الغربية إلى "بوسنة على شواطئ المتوسط"، حسب تعبيره، لكنه في الوقت نفسه يدرك أن التهديد بالضم قد يُساعده سياسيًا على تشكيل ائتلاف حكومي قوي من أحزاب اليمين.

وفي خضم التكهنات حول توقيت الكشف عن خطة ترامب، توقع بعض المحللين أن يتم الإعلان عنها بعد الانتخابات الإسرائيلية مباشرة، لكن ضعف موقف نتنياهو جعل من هذا السيناريو أقل ترجيحًا، خصوصًا أنه سيحتاج إلى دعم أحزاب يمينية لا تؤمن بحل الدولتين أصلًا.

وعبّر الدبلوماسي الأمريكي السابق دانيال كيرتزر، سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل ومصر، عن تشككه في نوايا الإدارة الأمريكية، قائلًا: إن ما يجري هو أشبه بلعبة خادعة، تُسلّط فيها الأنظار على خطة السلام المزعومة، بينما يُعاد تشكيل الواقع على الأرض بعيدًا عن الأضواء.