انفجار أثينا.. هل يعود شبح إرهاب المتمردين إلى اليونان؟
انفجار أثينا.. هل يعود شبح إرهاب المتمردين إلى اليونان؟
في ظل أجواء أمنية متوترة، تعيش العاصمة اليونانية أثينا على وقع جريمة مدوية أعادت إلى الواجهة مخاوف الإرهاب المحلي الذي ظل لسنوات يموج تحت السطح، انفجار مدوٍ وقع داخل شقة سكنية قبل أيام، أسفر عن مقتل رجل يبلغ من العمر 36 عامًا، وإصابة امرأة بإصابات خطيرة، ومع تصاعد المخاوف، بدأت شرطة مكافحة الإرهاب اليونانية في البحث عن خيوط تقود إلى كشف الجناه.
التطورات السريعة في القضية توصلت إلى اعتقال ثلاثة أشخاص، ووجهت لهم تهم الانضمام إلى "جماعة إرهابية"؛ مما فتح الباب أمام احتمالات واسعة لعودة نشاطات المتمردين في البلاد، مع أدلة جمعت من مسرح الجريمة تشمل أسلحة نارية، رصاصات، وأجهزة رقمية، تسود تساؤلات حول طبيعة هذا التنظيم المشتبه به، وهل هو امتداد لما يعرف بالجيل الثالث من المتمردين الذين بدأوا في الظهور بعد تفكيك الجماعة الإرهابية الشهيرة "17 نوفمبر".
يأتي هذا في وقت ما زالت اليونان تعاني من توترات داخلية منذ أزمة الديون التي عصفت بها في العقد الأخير، حيث لم تتوقف الهجمات المتفرقة على الساسة، رجال الأمن، والشركات.
*ملابسات القضية وتفاصيل الانفجار*
شهدت العاصمة اليونانية أثينا انفجارًا داخل شقة سكنية هز الحي وأدى إلى مصرع رجل وإصابة امرأة تبلغ من العمر 33 عامًا بجروح خطيرة.
التحقيقات الأولية لشرطة مكافحة الإرهاب أشارت إلى أن الحادث ناتج عن قنبلة محلية الصنع، ما يثير الشكوك حول تورط جماعات متمردة محلية.
في إطار التحقيقات، ألقت الشرطة القبض على ثلاثة أشخاص، من بينهم امرأة المصابة التي لا تزال تتلقى العلاج، ورجل يوناني يبلغ من العمر 31 عامًا تم اعتقاله بعد استجوابه، إضافة إلى البحث عن مشتبه بها ثالثة، وهي امرأة تبلغ من العمر 30 عامًا.
*خيوط التحقيقات*
المتهمون يواجهون تهم الانضمام إلى جماعة إرهابية، وهي تهم ثقيلة قد تفتح الباب أمام مزيد من التساؤلات حول أهداف هذه الجماعة. الأدلة التي جمعت من مكان الانفجار تضمنت بندقيتين، وذخائر، وهواتف محمولة، إضافة إلى مواد رقمية قد تحمل معلومات مهمة، وأقنعة وشعر مستعار، في حين لم تتضح بعد أهداف هذه المجموعة أو ارتباطاتها بجماعات إرهابية سابقة.
*عودة شبح الإرهاب المحلي*
على الرغم من انحسار الهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة، إلا أن هذا الحادث يعيد إلى الأذهان فترات مضطربة عاشتها اليونان في ظل نشاطات الجماعات المتمردة.
تلك الجماعات اليسارية والفوضوية أعلنت في الماضي الحرب على الحكومات المتعاقبة، معتبرة إياها رمزًا للفساد والظلم.
الجماعة الأشهر التي انتهى نشاطها عام 2002، هي "جماعة 17 نوفمبر"، التي كانت مسؤولة عن عدد من الهجمات الدموية في اليونان.
*الجيل الثالث من المتمردين*
مع تراجع نشاط تلك الجماعات على مدى العقدين الماضيين، شهدت اليونان في فترة أزمة الديون (2009-2018) تصاعدًا في الهجمات الصغيرة مثل تفجير القنابل اليدوية وإحراق الممتلكات.
استهدفت هذه الهجمات الساسة، ورجال الشرطة، ورجال الأعمال، إلا أنها سرعان ما خفت حدتها مع استقرار الوضع المالي والسياسي في البلاد.
الحادث الأخير يثير مخاوف من عودة "جيل ثالث" من المتمردين، ممن يرون في العنف وسيلة لتحقيق أهدافهم السياسية والفكرية، خصوصًا في ظل تزايد الاستقطاب الاجتماعي والاقتصادي الذي خلفته الأزمة الاقتصادية.
*تصاعد التوترات في المنطقة*
التوترات السياسية والاجتماعية في اليونان ليست بمعزل عن السياق الإقليمي، حيث تشهد منطقة البحر المتوسط اضطرابات أمنية وسياسية، بدءًا من أزمة اللاجئين وصولًا إلى التوترات الجيوسياسية بين دول المنطقة.
كل هذه العوامل قد تكون سببًا في عودة نشاطات هذه الجماعات التي تجد في الفوضى أرضية خصبة للتجنيد وتنفيذ عمليات إرهابية.
الشرطة اليونانية تحت ضغط كبير لإنهاء هذه القضية بأسرع وقت. فبعد التفجير، زادت الإجراءات الأمنية في أثينا، وتم تعزيز الدوريات في المناطق الحساسة.
الحكومة اليونانية، أكدت أنها لن تسمح بعودة أي نشاط إرهابي في البلاد، وهي بصدد مراجعة تشريعاتها المتعلقة بالإرهاب لتعزيز صلاحيات الأجهزة الأمنية.
*أسباب عميقة*
من جانبه، يقول حسين الوائلي، خبير الشؤون الأوروبية: إن الحادث يعكس تحديًا معقدًا تواجهه اليونان في ظل تصاعد التوترات الداخلية والخارجية.
وأضاف الوائلي، في حديثه لـ"العرب مباشر"، ما نشهده اليوم في أثينا ليس مجرد حادث إرهابي منعزل، بل هو نتيجة تراكمات لعقود من التوترات الاجتماعية والسياسية التي تعصف بالبلاد، مضيفًا، هذه الجماعات المتمردة الجديدة، التي يمكن وصفها بـ"الجيل الثالث"، هي انعكاس لأزمة الشرعية التي تعاني منها الدولة في بعض القطاعات.
ويضيف خبير الشؤون الأوروبية، أن الانقسام الاجتماعي الذي تفاقم خلال أزمة الديون التي مرت بها اليونان بين 2009 و2018 أدى إلى تعميق الشعور بالإحباط لدى قطاعات كبيرة من الشباب، وخاصة تلك التي تشعر بأنها مستبعدة من النظام السياسي والاقتصادي القائم.
هذه الجماعات تستغل هذا الشعور بالإحباط والفوضى لتجنيد أفراد جدد وتنفيذ عمليات إرهابية تحت ذريعة محاربة ما يرونه نظمًا فاسدة وظالمة.
وحذر الوائلي، من أن هذا النوع من الإرهاب المحلي قد يتفاقم إذا لم تُعالج الأسباب العميقة التي تغذيه، مضيفًا، الاقتصاد المتعثر، وارتفاع نسب البطالة، وفشل النخب السياسية في تقديم حلول فعالة للتحديات الاجتماعية، كلها عوامل تساهم في خلق بيئة خصبة لهذه الجماعات المتمردة.
ومن الضروري أن تكون استجابة الحكومة مزدوجة، تشمل تشديد الإجراءات الأمنية، وفي الوقت نفسه معالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية التي تغذي هذه النزعات المتطرفة.