البنتاغون يُخطط.. والولاية ترفض: صدام محتمل حول عسكرة شيكاغو

البنتاغون يُخطط.. والولاية ترفض: صدام محتمل حول عسكرة شيكاغو

البنتاغون يُخطط.. والولاية ترفض: صدام محتمل حول عسكرة شيكاغو
الجيش الأمريكي

تشهد الساحة الأميركية سجالًا غير مسبوق بعد أن تسربت أنباء عن خطط داخل وزارة الدفاع (البنتاغون) لدراسة إمكانية نشر قوات عسكرية في مدينة شيكاغو، المدينة التي طالما ارتبط اسمها بالجريمة المنظمة، ولكنها لم تشهد منذ عقود أي سيناريو أمني بهذا الحجم، الخطوة التي جاءت في سياق تصريحات نارية من الرئيس دونالد ترامب، أعادت إلى الواجهة النقاش القديم حول حدود التدخل العسكري داخل المدن الأميركية، وحساسية التوازن بين الأمن والحقوق الدستورية، فبينما يصر ترامب على أن شيكاغو "تغرق في الفوضى" وأن التدخل العسكري هو الحل، يصف معارضوه الأمر بأنه مجرد مناورة سياسية تهدف إلى شد الانتباه وإثارة المخاوف على حساب استقرار المؤسسات المدنية، الجدل المتصاعد لا يقتصر على الانقسام بين البيت الأبيض والمسؤولين المحليين، بل يثير كذلك مخاوف قانونية ودستورية حول ما إذا كان يمكن اعتبار مثل هذا التحرك سابقة تهدد الفيدرالية الأمريكية.

تصريحات ترامب وإشعال الجدل


كشفت صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن مسؤولين مطلعين أن وزارة الدفاع الأمريكية تعمل منذ أسابيع على دراسة  سيناريوهات عدة للتعامل مع الوضع الأمني في شيكاغو، من بينها خيار نشر آلاف من أفراد الحرس الوطني ابتداءً من سبتمبر.


هذه التسريبات تأتي متزامنة مع خطاب سياسي تصعيدي للرئيس السابق دونالد ترامب، الذي لم يتردد في مهاجمة قادة المدينة الديمقراطيين واتهامهم بالعجز عن السيطرة على معدلات الجريمة والتشرد والهجرة غير الشرعية.


ترامب وصف شيكاغو بأنها "مدينة في حالة فوضى" متعهدًا بـ"تصحيح الوضع قريباً".


ورغم أن بيانات الشرطة المحلية تظهر تراجعاً ملحوظاً في معدلات الجريمة العنيفة خلال العام الماضي، فإن الرئيس الجمهوري يرى أن الانخفاض لا يغير من حقيقة أن المدينة لا تزال من بين الأعلى في معدلات القتل وإطلاق النار.


بالنسبة لترامب، فإن استدعاء الجيش أو الحرس الوطني ليس مجرد خيار أمني، بل رسالة سياسية يوجهها إلى قواعده الانتخابية مفادها أن المدن الديمقراطية فاشلة وتحتاج إلى "قبضة اتحادية".

الحذر في العلن.. التحضير في الكواليس


وزارة الدفاع التزمت في بيان مقتضب الحذر المعتاد، إذ اكتفت بالقول إنها لا تدخل في "تكهنات حول عمليات مستقبلية"، لكنها أشارت إلى أن التخطيط المشترك مع وكالات اتحادية أخرى يجري بشكل مستمر لحماية "الأصول الفيدرالية والأفراد". هذه اللغة المبطنة تشير إلى أن البنتاغون لا ينفي وجود خطط، بل يؤكد استعداده لتنفيذها متى طُلب منه ذلك.


على الجانب الآخر، كان الرد في ولاية إيلينوي حازماً، حاكم الولاية الديمقراطي جيه.بي بريتزكر أكد أنه لم يتلق أي تواصل رسمي من الحكومة الفيدرالية بشأن الحاجة إلى تدخل عسكري، نافياً وجود حالة طوارئ تستدعي مثل هذه الخطوة. وذهب أبعد من ذلك حين اتهم ترامب بـ"اختلاق أزمة" وبأنه يحاول تسييس الجيش وإساءة استخدام سلطاته للتغطية على إخفاقاته الاقتصادية والاجتماعية.


الموقف ذاته تبنّته بلدية شيكاغو، حيث عبّر المتحدث باسم رئيس البلدية براندون جونسون عن مخاوف من "نشر غير قانوني" للقوات الفيدرالية، مؤكداً أن أرقام الجريمة في تحسن ملحوظ: انخفاض في جرائم القتل بنسبة تتجاوز 30%، وتراجع في حوادث إطلاق النار بما يقارب 40%.

مقارنات مع مدن أخرى


ليست شيكاغو وحدها في مرمى خطاب ترامب. فقد سبق أن صور واشنطن العاصمة ولوس أنجلوس كمدن "غارقة في الجريمة"، رغم أن بيانات وزارة العدل أوضحت أن معدلات الجريمة العنيفة في واشنطن سجلت أدنى مستوى لها منذ ثلاثة عقود. ومع ذلك، أمر ترامب في يونيو الماضي بإرسال سبعمائة من مشاة البحرية وأربعة آلاف من الحرس الوطني إلى لوس أنجلوس، رغم اعتراض حاكم الولاية الديمقراطي. ذلك القرار أثار انتقادات واسعة، واعتبره مراقبون سابقة قد تعيد تعريف حدود تدخل السلطة الفيدرالية في المدن الأمريكية.

البعد السياسي والانتخابي


من الصعب فصل هذه التحركات عن السياق السياسي الأميركي المتأزم، يسعى إلى تعزيز صورته كرجل "القانون والنظام"، وتاريخيًا، كان هذا الخطاب يلقى صدى لدى الناخبين القلقين من معدلات الجريمة، غير أن خصومه يرون في هذه الخطوات نوعاً من المسرح السياسي، الهدف منه صرف الأنظار عن قضايا أخرى أكثر إلحاحاً مثل التضخم، أزمة السكن، والجدل المستمر حول الهجرة.
ويشير محللون إلى أن ترامب يختار المدن ذات القيادة الديمقراطية ليستعرض أمام قاعدته الجمهورية، في إطار استراتيجية انتخابية واضحة.

تداعيات دستورية محتملة


قانونياً، يثير الحديث عن نشر الحرس الوطني أو الجيش داخل المدن الأمريكية تساؤلات معقدة. إذ إن الدستور الأمريكي يضع قيودًا صارمة على استخدام القوات الفيدرالية ضد المواطنين، ويُخضع الأمر لشروط استثنائية.

في حال مضى البيت الأبيض في تفعيل الخطة من دون موافقة سلطات الولاية، فقد يفتح ذلك الباب أمام معركة قانونية ودستورية شاقّة قد تصل إلى المحكمة العليا.