حكيم الثورة.. من هو المناضل الجزائري العربي بن مهيدي الذي اعترفت فرنسا باغتياله؟
حكيم الثورة.. من هو المناضل الجزائري العربي بن مهيدي الذي اعترفت فرنسا باغتياله؟
بعد اعتراف فرنسا بمسؤوليتها عن قتل العربي بن مهيدي، القيادي البارز في جبهة التحرير الوطني الجزائرية، أعادت هذه الخطوة تسليط الضوء على شخصية من أبرز رموز النضال الجزائري ضد الاستعمار، الإعلان، الذي صدر عن قصر الإليزيه، يُعد تطورًا هامًا في مسار المصالحة التاريخية بين البلدين، لكنه يفتح أيضًا باب النقاش حول إرث الثورة الجزائرية وجرائم الاستعمار الفرنسي.
الاعتراف الرسمي
في بيان صدر عن الإليزيه، أقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمسؤولية الجيش الفرنسي عن قتل بن مهيدي عام 1957، خلال معركة الجزائر.
ووصف البيان بن مهيدي بـ"البطل الوطني للجزائر"، مشيراً أنه قُتل على يد عسكريين تحت قيادة الجنرال بول أوساريس، وجاء هذا الاعتراف ضمن سلسلة من الخطوات التي اتخذتها فرنسا في السنوات الأخيرة للاعتراف بماضيها الاستعماري في الجزائر.
في 2021، اعترف ماكرون بمسؤولية بلاده عن تعذيب وقتل المحامي والقيادي علي بومنجل، وفي 2012 أقرت فرنسا بمجازر 17 أكتوبر 1961 التي قُتل فيها عشرات المتظاهرين الجزائريين في باريس.
من هو العربي بن مهيدي؟
ولد العربي بن مهيدي عام 1923 في مدينة مليلة شرقي الجزائر، وكان أحد أبرز الشخصيات المؤسسة للثورة الجزائرية عام 1954، تلقى تعليمه في مدينة قسنطينة، وانضم إلى الكشافة الإسلامية الجزائرية عام 1939، مما ساهم في تشكيل وعيه الوطني.
يُلقب بـ"حكيم الثورة"، وهو أحد القادة الستة الذين خططوا وأطلقوا ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.
برز بن مهيدي بسرعة في صفوف جبهة التحرير الوطني، حيث تولى قيادة المنطقة الخامسة في الغرب الجزائري وأشرف على تنظيم العمليات العسكرية والإمدادات، كما لعب دورًا محوريًا في مؤتمر الصومام عام 1956 الذي شكل منعطفاً استراتيجياً في الثورة.
أدوار متعددة في الثورة
تميز بن مهيدي بمواهبه القيادية وقدرته على التنسيق بين الثوار داخل الجزائر وقيادة الثورة في القاهرة. أشرف على عدة عمليات نوعية ألحقت خسائر جسيمة بالجيش الفرنسي، وكان له دور بارز في تأمين الإمدادات العسكرية للمقاومين.
من أقواله الشهيرة: "ألقوا بالثورة في الشارع يحتضنها الشعب"، وهو ما يعكس إيمانه العميق بأن الثورة لا تنجح إلا بدعم الجماهير.
الاعتقال والقتل
اعتُقل بن مهيدي في فبراير 1957 خلال معركة الجزائر الشهيرة. ورغم تعرضه لتعذيب وحشي على يد القوات الفرنسية، لم يدل بأي معلومات عن رفاقه في الثورة.
في الرابع من مارس 1957، أُعلن عن إعدامه دون محاكمة، في جريمة حاولت فرنسا لسنوات التستر عليها، صورة اعتقاله الشهيرة، التي ظهر فيها محاطاً بمظليين فرنسيين وابتسامة تعلو وجهه، أصبحت رمزاً للصمود والكرامة في وجه الاحتلال.
فرنسا وملف جرائم الاستعمار
رغم اعترافها الأخير بقتل بن مهيدي، ما تزال فرنسا تواجه انتقادات واسعة بسبب مواقفها المترددة تجاه ملف جرائم الاستعمار، الجزائر طالبت مراراً وتكراراً باعتذار رسمي وتعويضات عن الجرائم المرتكبة خلال فترة الاحتلال التي استمرت 132 عامًا.
في أبريل 2021، صرح سفير الجزائر لدى فرنسا، محمد عنتر داود، أن بلاده لا تزال تنتظر اعترافاً كاملاً بقتل بن مهيدي وتعذيب عشرات الآلاف من الجزائريين.
الجزائر تخلد إرث "بن مهيدي"
في الجزائر، يُعتبر العربي بن مهيدي رمزاً وطنياً خالداً، اسمه يتردد في المدارس والجامعات، وصورته محفورة في ذاكرة النضال الجزائري.
يصفه الباحث الجزائري عبد المجيد بوجلة بأنه "ابن الوطن البار، صاحب ثقافة ثورية ومناهض للمظالم الاستعمارية"، ورغم مرور أكثر من ستة عقود على استشهاده، يظل إرثه حيًا في قلوب الجزائريين.
مغزى الاعتراف الفرنسي
خطوة فرنسا بالاعتراف بقتل بن مهيدي تندرج ضمن مساعيها لتحسين العلاقات مع الجزائر، لكن كثيرين يعتبرونها غير كافية، ناشطون ومؤرخون يرون أن باريس بحاجة إلى فتح جميع ملفات الحقبة الاستعمارية، بما في ذلك مجازر إبادة السكان والتجارب النووية في الصحراء الجزائرية.