المحاكمات في السودان: أداة للعدالة أم وسيلة لإسكات الأصوات؟ خبراء يجيبون
المحاكمات في السودان أداة للعدالة أم وسيلة لإسكات الأصوات
في ظل النزاعات المسلحة التي تشهدها السودان، تبرز قضايا قانونية وأخلاقية معقدة تتعلق بإصدار أحكام الإعدام. تُعد هذه الأحكام مثار جدل واسع، إذ يُطرح السؤال حول شرعيتها وتأثيرها على الوضع السياسي والاجتماعي في البلاد.
*الأحكام القضائية والتحديات القانونية*
في الآونة الأخيرة، أصدرت محكمة جنايات شرق القضارف حكمًا بالإعدام على شخص لتعاونه مع قوات "الدعم السريع"؛ مما أثار تساؤلات حول مدى قانونية هذه الأحكام في زمن الحرب.
يُشير الخبراء القانونيون إلى أن هذه المحاكمات قد تكون مسيسة وتفتقر إلى الضمانات القانونية الأساسية؛ مما يُعقد من مسألة العدالة في ظل الصراع.
تُعتبر هذه الأحكام بمثابة رسالة قوية من السلطات القضائية، لكنها تُثير القلق بشأن إمكانية استخدامها كوسيلة لإسكات الأصوات المعارضة. ويُحذر مراقبون من أن تكون هذه الأحكام بمثابة ذريعة للتخلص من الناشطين السياسيين وقد تُسهم في دفع البلاد نحو مزيد من الاضطرابات وربما حرب أهلية شاملة.
*المعايير الدولية والإنسانية*
يُجمع الخبراء على أن القانون الدولي الإنساني يُدين عقوبة الإعدام، حتى في ظروف الحرب، ويُطالب بمعاملة الأسرى وفقًا لقواعد محددة تحمي حقوقهم.
يُشير المحللون إلى أن الحرب الدائرة في السودان قد انزلقت إلى حرب أهلية تُهدد النسيج الاجتماعي للبلاد، وتُعرض الأفراد للخطر بناءً على هوياتهم الجهوية أو القبلية.
الخبير القانوني الهادي الكريم، وصف هذه المحاكمات بأنها سياسية وغير قانونية، مشيرًا إلى افتقارها لأبسط الحقوق العدلية، مضيفًا أن المتهمين يُحاكمون على أساس الانتماء السياسي ورفضهم استمرار الحرب التي خلفت آلاف القتلى والجرحى وشردت الملايين، معتبرًا أن تهمة التخابر مع "الدعم السريع" أصبحت ذريعة للتخلص من الناشطين السياسيين وإسكات أصواتهم.
وأضاف - في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن المحاكمات طالت أعدادًا قليلة ثبت تورطهم في التخابر مع قوات "الدعم السريع"، وأكد أن الحديث عن الاستهداف العرقي والمحاكمات على أساس الهوية ليس دقيقًا، حيث برأت المحاكم عددًا من المتهمين في الفترة الماضية.
*قرارات انتقامية*
في سبتمبر 2023، أصدر المدعي العام السوداني السابق، خليفة أحمد خليفة، أوامر قبض بحق 250 شخصًا من السياسيين والصحفيين والناشطين لتعاونهم مع قوات "الدعم السريع".
وفي أغسطس 2023، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني، قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، قرارًا بتشكيل لجنة لجرائم الحرب وحصر انتهاكات وممارسات قوات "الدعم السريع" منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
يقول كريم: إن مثل هذه المحاكمات تحدث عادة في أجواء الحرب، حيث تكون قواعد القانون أقل صرامة، موضحًا أن القانون الدولي الإنساني يُجرّم عقوبة الإعدام بحق المتعاونين مع العدو، مشيرًا إلى أن الحرب الأهلية في السودان انزلقت إلى مستوى من العنف العرقي والقبلي؛ مما يزيد من تعقيد المشهد.
وأضاف الكريم، أن هناك حالة من عدم الانضباط الشامل سواء من الجيش أو قوات "الدعم السريع"؛ مما يجعل من الصعب التمييز بين المتعاونين والأعداء الحقيقيين. واعتبر أن هذه الجرائم تُعد انتهاكات ضد الإنسانية وتخالف القانون الدولي الإنساني.
*التوقعات المستقبلية والحلول الممكنة*
في السياق ذاته، يقول عادل حمد المحلل السياسي السوداني: أتمنى أن يتجه السودانيون نحو تبني مرجعية دستورية قانونية تُعزز العدالة وتُنهي الصراع، محذرًا من أن استمرار إصدار أحكام الإعدام قد يُعيق الجهود المبذولة لتحقيق السلام والاستقرار في البلاد.
وتابع حمد - في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، اعتبر أن هذه الأحكام هي امتداد للحرب أو تعبير عنها بطريقة أخرى، مشيرًا إلى أن القتل بسبب السياسة هو في النهاية قتل للسياسة.
وأضاف أن الظروف التي نشأت فيها مليشيات "الدعم السريع" في كنف الجيش تجعل الحد الفاصل بينهما غير واضح، مما يجعل آلاف الأشخاص عرضة لمثل هذه الأحكام.
يذكر أن منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023، يعيش السودان في دوامة من العنف والنزاعات التي خلفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ.
في ظل هذه الظروف، تظل الأحكام القضائية، وخاصة أحكام الإعدام، محل جدل واسع حول قانونيتها وإنصافها. تحتاج البلاد إلى تحقيق توازن بين تطبيق القانون وضمان حقوق الإنسان، وهو تحدٍ كبير في زمن الحرب.