واشنطن تُشعل إفريقيا.. الرئيس الأمريكي يُلوّح بالتدخل لحماية مسيحيي نيجيريا

واشنطن تُشعل إفريقيا.. الرئيس الأمريكي يُلوّح بالتدخل لحماية مسيحيي نيجيريا

واشنطن تُشعل إفريقيا.. الرئيس الأمريكي يُلوّح بالتدخل لحماية مسيحيي نيجيريا
نيجيريا

من واشنطن إلى أبوجا، اشتعلت أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بعد تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشنّ عمل عسكري ضد نيجيريا، بذريعة "حماية المسيحيين من المذابح".

 تصريحات ترامب، التي وصفت في الأوساط السياسية بأنها "أخطر تدخل ديني في السياسة الخارجية الأمريكية منذ عقود"، جاءت لتفتح جبهة جديدة في القارة الإفريقية، وتثير انقسامًا واسعًا بين المؤيدين لخطابه الديني المتشدد والمعارضين له داخل وخارج الولايات المتحدة، في المقابل، ردّت نيجيريا بلهجة حازمة، مؤكدة أن دستورها يضمن حرية المعتقد، وأن لا أساس لاتهامات الاضطهاد الديني، وبينما تتسع رقعة الجدل حول دوافع هذا التصعيد الأمريكي، يرى مراقبون أن وراء الخطاب "الإنساني" المعلن أجندة سياسية وانتخابية أكثر عمقًا، تتقاطع فيها ملفات الهجرة والتوترات العرقية والمصالح الاقتصادية الأمريكية في غرب إفريقيا.

ليس دفاعًا عن الأقليات

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريحات نشرها على منصة "إكس": إنه وجّه وزارة الدفاع، التي أعاد تسميتها بـ"وزارة الحرب"، إلى وضع خطة عسكرية لمواجهة ما وصفه بـ"المذبحة المستمرة ضد المسيحيين في نيجيريا"، مهددًا بإرسال قوات أمريكية "مدججة بالسلاح" إذا فشلت حكومة أبوجا في وقف "الإرهابيين الإسلاميين"، على حد تعبيره.

وأضاف: أن بلاده "ستوقف فورًا جميع المساعدات الموجهة لنيجيريا"، في خطوة أثارت جدلاً واسعًا داخل واشنطن حول شرعية استخدام القوة خارج إطار الأمم المتحدة.

ترامب، الذي لا يخفي تعاطفه مع اليمين الإنجيلي في الولايات المتحدة، أعاد في خطابه الأخير توظيف مفردات دينية تشبه ما استخدمه الرئيس جورج بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر، متحدثًا عن "تهديد وجودي للمسيحية في إفريقيا".

غير أن محللين رأوا في تصريحاته محاولة لحشد تأييد القاعدة الدينية المحافظة وليس دفاعًا فعليًا عن الأقليات الدينية.

الرد النيجيري

في المقابل، سارع الرئيس النيجيري بولا تينوبو إلى الرد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدًا أن بلاده "ليست ساحة صراع ديني، بل وطن يجمع بين المسلمين والمسيحيين في إطار من التسامح".

وشدد على أن "الحرية الدينية جزء أصيل من الهوية الوطنية"، فيما وصف وزير الخارجية يوسف توغار تصريحات ترامب بأنها "مضللة وخطيرة"، مؤكدًا أن "الدستور النيجيري لا يسمح بأي شكل من أشكال الاضطهاد الديني".

نيجيريا، التي تعد أكبر دول إفريقيا من حيث عدد السكان، منقسمة دينيًا بين شمال مسلم وجنوب مسيحي، وتشهد البلاد منذ سنوات سلسلة نزاعات دامية بين مزارعين مسيحيين ورعاة ماشية مسلمين من قبائل الفولاني، تفاقمت بفعل تغيّر المناخ وتضاؤل الموارد. 

هذه الصراعات، بحسب خبراء، ليست دينية بحتة، بل ناتجة عن تنازع الأراضي والمياه وفشل الحكومات المتعاقبة في فرض سلطة الدولة على المناطق الريفية.

اللافت، أن الخطاب الأمريكي الأخير يتقاطع مع موجة من الروايات التي انتشرت مؤخرًا في أوساط اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وأوروبا حول ما سُمّي بـ"الإبادة المسيحية في نيجيريا"، وهي روايات دعمتها شركات ضغط أمريكية مثل "موران غلوبال ستراتيجيز" التي سعت إلى تصوير الصراع المحلي في نيجيريا على أنه "حرب ضد المسيحية".

الطرفين في نيجيريا يرفضان التهديدات

وفي الداخل النيجيري، سارع رجال دين من الطرفين إلى التنديد بتهديدات ترامب، وقال القس دانجوما ديكسون أوتا، من ولاية بلاتو التي شهدت أعمال عنف متكررة بين الطوائف: إن "المسيحيين يُقتلون، لكن هذا لا يعني أن المسلمين في مأمن"، مشيرًا إلى أن "الدماء في نيجيريا لا تُسفك على الهوية الدينية بقدر ما تُراق بسبب الفوضى السياسية والاقتصادية".

في المقابل، أكد أبو بكر غاماندي، وهو زعيم محلي مسلم من ولاية بورنو، أن "كل طرف في الصراع ضحية ومجرم في الوقت ذاته، ولا يحق لأي جهة خارجية أن تختزل معاناة نيجيريا في رواية طائفية".

من جانبه، حذر وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، في مؤتمر مشترك مع نظيره النيجيري في برلين، من "خطورة تسييس الدين في إفريقيا"، مشيرًا أن "التحريض على الانقسام الديني قد يقود إلى سيناريوهات مشابهة لما جرى في السودان".

ويرى محللون، أن تهديد ترامب بالتدخل العسكري لا يمكن فصله عن حساباته الجيوسياسية في القارة الإفريقية، خصوصًا في ظل تنامي النفوذ الصيني والروسي في غرب إفريقيا، كما أن واشنطن، التي خففت انخراطها العسكري في القارة منذ عهد أوباما، قد تسعى عبر خطابها الجديد إلى تبرير عودة الوجود العسكري الأمريكي تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب الديني".

لكن نيجيريا، التي تخوض حربًا طويلة ضد جماعة "بوكو حرام" وتنظيمات متشددة في شمالها الشرقي، ترى أن أي تدخل أجنبي سيزيد الوضع تعقيدًا.

 وأكد حاكم ولاية أنامبرا، شوكووما سولودو، أن "واشنطن يجب أن تتحرك وفق القانون الدولي، لا وفق نزعات انتخابية داخلية"، مضيفًا أن "بلاده لن تقبل أن تكون ساحة لتصفية الحسابات الدينية أو السياسية للدول الكبرى".