نزاع متفاقم في الكونغو الديمقراطية.. الأسباب والتداعيات
نزاع متفاقم في الكونغو الديمقراطية.. الأسباب والتداعيات
طيتصاعد التوتر في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وسط مواجهات دامية بين الجيش الكونغولي ومتمردي حركة 23 مارس (M23) المدعومين من رواندا، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف وتفاقم الأزمة الإنسانية.
ومع استمرار العنف، دعت الولايات المتحدة مجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الهجوم وفرض عقوبات على رواندا، بينما تتزايد المخاوف من انزلاق المنطقة إلى صراع إقليمي واسع النطاق.
تحذيرات أممية ومطالبات بوقف إطلاق النار
في جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، شددت دوروثي شيا، القائمة بأعمال المبعوث الأمريكي لدى الأمم المتحدة، على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار، داعية رواندا إلى سحب قواتها من الكونغو والعودة إلى طاولة المفاوضات.
كما دعت وزيرة الخارجية الكونغولية، تيريز كاييكوامبا فاغنر، إلى فرض عقوبات صارمة على كيغالي، تشمل حظر تصدير الأسلحة ومعاقبة القادة السياسيين والعسكريين الروانديين، بالإضافة إلى منع رواندا من الاستفادة من الموارد الطبيعية المستخرجة من الكونغو.
تصعيد خطير واشتباكات دامية
يأتي هذا التصعيد في ظل اتهامات متبادلة بين البلدين، حيث تؤكد الكونغو أن رواندا أرسلت قواتها لدعم المتمردين، في حين تبرر كيغالي تدخلها بأن القتال بالقرب من حدودها يمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها.
وقد تمكنت حركة M23 مؤخرًا من التقدم داخل مقاطعة شمال كيفو والسيطرة على مدينة جوما، في أكبر اختراق لها منذ أكثر من عقد؛ مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى التحذير من خطر اندلاع حرب إقليمية شاملة.
كارثة إنسانية ونزوح واسع
بحسب تصريحات نائبة مبعوث الأمم المتحدة في الكونغو، فيفيان فان دي بيري، فإن الوضع الإنساني في شرق الكونغو بلغ مستويات كارثية، حيث أدت المواجهات المسلحة إلى نزوح أكثر من 178 ألف شخص، بينهم 34 ألفًا لجأوا إلى مخيمات مكتظة في جوما.
كما تسبب القتال في نقص حاد في الإمدادات الحيوية من غذاء ومياه وأدوية، فضلًا عن انقطاع الكهرباء والمياه وتعطل المساعدات الإنسانية بسبب المخاطر الأمنية.
خلفيات الصراع وتعقيداته
يعود تاريخ النزاع في شرق الكونغو إلى عقود من الاضطرابات، حيث تحول هذا الجزء من البلاد إلى ساحة حرب دائمة بين مجموعات مسلحة متعددة، مدفوعة بصراعات عرقية واقتصادية وسياسية.
وتشير التقارير أن الحرب في الكونغو، التي تعد من أكثر النزاعات دموية منذ الحرب العالمية الثانية، أسفرت عن مقتل قرابة 6 ملايين شخص منذ التسعينيات.
تمثل مقاطعات كيفو الشمالية والجنوبية وإيتوري بؤرة رئيسية لهذا الصراع، إذ تتحكم في موارد طبيعية هائلة تشمل الذهب والماس والكولتان؛ ما يجعلها محور صراع جيوسياسي حاد بين دول الجوار، خاصة رواندا وأوغندا.
حركة "M23".. من هي وماذا تريد؟
تعد حركة M23 واحدة من أبرز الجماعات المسلحة الناشطة في المنطقة، وقد تأسست عام 2012 من قبل جنود منشقين عن الجيش الكونغولي، متذرعين بأن الحكومة لم تفِ بتعهداتها وفق اتفاقية سلام موقعة عام 2009، ومنذ ذلك الحين، تحولت الحركة إلى قوة عسكرية بارزة، حيث أعلنت أنها تسعى إلى حماية مجتمعات التوتسي في شرق الكونغو، وتنفيذ اتفاقية 2009 مع الحكومة الكونغولية، وإصلاح الحكم والتصدي للفساد وسوء الإدارة.
ورغم توقيع اتفاق سلام عام 2013 أدى إلى تفكيك مؤقت للحركة، إلا أنها عادت بقوة في السنوات الأخيرة، مدعومة بقدرات عسكرية متطورة، وهو ما دفع الكونغو إلى اتهام رواندا بتوفير الدعم اللوجستي والتسليحي لها.
المخاطر الإقليمية وضرورة التدخل الدولي
مع استمرار التصعيد العسكري وتزايد الانتهاكات، تزداد المخاوف من توسّع رقعة النزاع ليشمل دول الجوار، مما قد يؤدي إلى اندلاع مواجهة إقليمية تشمل رواندا وأوغندا وربما دولًا أخرى.
وفي ظل انهيار جهود الوساطة التي قادتها أنغولا، يبدو أن الحل السياسي بات معقدًا أكثر من أي وقت مضى، مما يتطلب تدخلاً دوليًا عاجلًا للحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
التطورات في الكونغو الديمقراطية لا تقتصر على نزاع داخلي، بل تعكس تداخلًا معقدًا بين المصالح الإقليمية والتوترات العرقية والتنافس على الموارد، ما يجعل أي حل مستدام بحاجة إلى جهود دبلوماسية مكثفة وإرادة سياسية دولية لوقف النزيف المستمر في هذا البلد الذي أنهكته الحروب.