من جبال صعدة إلى قصر صنعاء... أسرار تاريخ الحوثيين
في أعوام قليلة، حولوا اليمن من دولة مستقرة إلى واحدة من البلدان المتناحرة ذات الأزمات العالمية، ليشهد عمليات إرهابية وسرقة وترويع وسباق لأجل السلطة وتناحر الميليشيات، منذ ظهور جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، ذات الأسرار العديدة لبدايتها.
بداية الحوثيين
تتبع الحركة الحوثية المذهب الزيدي، أحد أشكال الشيعة، والذي يتسم بطابع التمرد والخروج على الحاكم، وهو ما كان له دور كبير في تبلور الجماعات الحوثية، فيما يخص الجانب العقائدي والسياسي والتاريخي والجغرافي.
بدأ أول ملامح الحوثية في مطلع التسعينيات عبر تشكيل أول حركة باسم "الشباب المؤمن"، بحجة رفض التهميش الذي تعاني منه مناطق الزيديين في اليمن، الذين يشكلون ما يقرب إلى 35 إلى 40% من السكان، بجانب الدفاع عن حقوق أبناء منطقة صعدة، مهد الحوثيين.
وكانت تتسم أفكاره بجانب فكري يهدف إلى تسليط الضوء على البحث والتدريس في إطار المذهب الزيدي، مع استغلالها المساجد للأهداف السياسية، حيث كان يتم ترديد هتافات "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل".
ظهور حسين الحوثي
ومن بين شباب الحركة، برز حسين بدر الدين الحوثي، كنجل رجل دين زيدي معروف وقتها، لينضم لحزب سياسي صغير هو "الحق"، الذي تمكن من الفوز بمقعدين في برلمان اليمن في انتخابات 1993، ليحصد حسين أحدهما خلال 1993 إلى 1997، ليتبع نهجا فكريا جديدا بعد أحداث 11 سبتمبر 2011، يجمع بين "إحياء العقيدة" و"معاداة الإمبريالية"، فضلاً عن تأثره بالأفكار العامة للثورة الإسلامية في إيران.
تلك الأفكار والنهج نقله إلى "الشباب المؤمن"، ليتطور إلى تقديم خدمات اجتماعية وتعليمية، ويكتسب طابعا سياسيا يهدف إلى معارضة حكم الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح.
من الدفاع عن المذهب للتنظيم المسلح
لم تلبث جماعة "الشباب المؤمن" في تغيير مسارها وكشف حقيقتها، لتصبح تنظيما مسلحا في 2004، خلال المواجهات مع القوات الحكومية، والمعروف بنزاع صعدة، إبان مقتل حسين الحوثي ليخلفه شقيقه الأصغر عبدالملك في القيادة، ومن ثَمَّ تم تغيير اسم الحركة عدة مرات حتى استقرت في النهاية على اسم "أنصار الله"، حيث يعتقد الحوثيون بأنهم الأحق بحكم اليمن.
ودخلت الحركة على خط الحرب الأهلية، عبر نزاع مسلح مع حكومة صالح وهو ما تسبب في أزمات عنيفة باليمن، واستمرت حتى 2010، ولم يتم الكشف عن الخسائر الكاملة في هذه الحرب التي تم إطلاق اسم "الأرض المحروقة" عليها، ونتج عنها تشريد عشرات الآلاف وأزمة إنسانية مفجعة.
وتحولت مطالبهم من المزاعم بشأن "إنهاء التمييز العنصري ضدهم، وإعطائهم حريتهم في العمل السياسي والثقافي، وتدريس المذهب الزيدي"، إلى المطالب السبعة التي وردت في وثيقة أغسطس 2015، وتتضمن "إقالة الحكومة الحالية والاتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة، الشراكة في القرار السياسي، إغلاق منابع الفساد في الدولة، إلزام المؤسسات الإعلامية بالكف عن التحريض والحياد".
معاداة النظام والسيطرة على صنعاء
وفي 2011، نظم الحوثيون مظاهرات مناهضة لحكم صالح عديدة، حتى أصبحوا طرفا أساسيا في جلسات الحوار الوطني، وهو ما استغلوه سريعا مع انهيار حكم علي صالح بالعام التالي، لدعم نفوذهم في اليمن بهدف تحقيق مخططاته في السيطرة على البلاد، وهو ما نفذوه بالفعل في 2014، والمعروف بتمرد الحوثيين، باقتحام العاصمة صنعاء واحتلالها، عقب مناورات دامية مع قوات علي محسن الأحمر وقوات صالح، ومن ثَم فرضوا سيطرتهم على مؤسسات الدولة.
واستولى الحوثيون على مقر الحكومة ومقار وزارة الدفاع والقيادة العامة للجيش والفرقتين السادسة والرابعة ومقر البنك المركزي وإذاعة صنعاء ووزارة الإعلام والتلفزيون الرسمي ووزارة الصحة.
لم يقتصر الأمر على ذلك، فبعد سيطرتهم على صنعاء، هاجموا القصر الجمهوري الذي يقيم فيه الرئيس عبد ربه هادي وأعضاء الحكومة، ببداية 2015، لحوالي شهر، حتى تمكن الرئيس الشرعي من الانتقال إلى جنوبي اليمن ثم السعودية.
كما فرضوا سيطرتهم على مدينة عمران الشمالية، معقل بني الأحمر، وعدة بلدان أخرى بعد خوضهم قتال عنيف من القوات الحكومية، رافضين أي محاولات سياسية للتهدئة، حتى تم توقيع اتفاق بين الرئاسة اليمنية والحوثيين لوقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم مختلف الأطراف، لإنهاء الأزمة في البلاد، في 2015، ولكنهم لم يلتزموا بذلك الأمر لاحقا.
المثير للجدل، أنه في خضم تلك الأحداث ومع تغيير السلطة، تحالف الحوثيين مع عدوهم السابق علي عبدالله صالح، الذي تورطوا في عملية قتله لاحقا بديسمبر 2017، بهدف السيطرة على اليمن، لنشر الفوضى والإرهاب والعديد من الجرائم الإنسانية.
وفي ظل ذلك، سارعت السعودية لدعم اليمن، حيث شنت عملية "عاصفة الحزم" لحماية البلاد والتصدي إلى الحوثيين، بالتعاون مع العديد من الدول بينهم مصر والإمارات وأميركا، والذي تحول لاحقا للتحالف العربي لإعادة الشرعية باليمن، والذي حقق نتائج قوية تماما الحوثيين واستعاد مساحة كبيرة من البلاد، أمام انهيار تحالف الحوثيين وصالح.