إفراج مثير للجدل.. تبادل السجناء بين طالبان وواشنطن
إفراج مثير للجدل.. تبادل السجناء بين طالبان وواشنطن
في خطوة تُسلط الضوء على تعقيدات العلاقات الأميركية - الأفغانية بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في 2021، أفرجت طالبان عن اثنين من المواطنين الأميركيين، هما رايان كوربيت وويليام والاس ماكنتي، مقابل الإفراج عن خان محمد، العضو البارز في طالبان، الذي كان يقضي حكمًا بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة، هذا التبادل الذي أثار الجدل، يعكس الجهود الدبلوماسية المكثفة التي تقودها إدارة بايدن، وسط تحديات كبرى تتعلق بمصير باقي الأميركيين المحتجزين لدى طالبان، ومخاوف من تأثير هذه الصفقات على العلاقات بين الجانبين.
*تفاصيل الصفقة والإفراج*
من جانبها، أكدت وزارة الخارجية الأفغانية، أنه تم الإفراج عن أميركيين اثنين مقابل إطلاق الولايات المتحدة سراح مواطن أفغاني، موجهة الشكر إلى دولة قطر، على دورها في ملف تبادل المعتقلين بين كابل وواشنطن، وشددت على أن الحوار هو الحل الأمثل للقضايا العالقة بين كابل وواشنطن، بحسب تقرير لـ"نيويورك تايمز".
بموجب الاتفاق، أُفرج عن خان محمد، المحكوم عليه في قضايا تهريب مخدرات وإرهاب، ليعود إلى كابول ويجتمع بعائلته، فيما عاد الأميركيان كوربيت وماكنتي إلى الولايات المتحدة بعد احتجاز دام قرابة عامين.
*من هو خان محمد؟*
خان محمد، البالغ من العمر 55 عامًا، هو شخصية بارزة في حركة طالبان، ارتبط اسمه بأحداث معقدة خلال فترة النزاع الأميركي-الأفغاني. أُلقي القبض عليه عام 2008 في إقليم ننغرهار، وهو منطقة تشتهر بنشاط طالبان وتهريب المخدرات.
تضمنت التهم الموجهة إليه تأمين كميات كبيرة من الهيروين والأفيون لتهريبها إلى السوق الأميركية، وهي عمليات وصفتها السلطات الأميركية بأنها جزء من "اقتصاد الإرهاب". كما اتُّهم بالمشاركة في هجمات استهدفت القوات الأميركية باستخدام صواريخ وأسلحة متطورة؛ مما وضعه ضمن قائمة العناصر "شديدة الخطورة".
وزارة العدل الأميركية، في تصريحاتها حول القضية، وصفته بأنه "متطرف عنيف ومهرب مخدرات محترف"، مشيرة إلى دوره الحيوي في تمويل أنشطة طالبان من خلال تجارة المخدرات.
كما أشارت تقارير، أنه كان مسؤولًا عن تسهيل عمليات تهريب معقدة تمتد من أفغانستان إلى شبكات توزيع عالمية؛ مما عزز مكانته داخل الحركة كعنصر محوري في دعمها المالي والعسكري.
*أبعاد الصفقة وتأثيراتها*
الصفقة التي شهدت تبادل خان محمد بمواطنين أميركيين أثارت جدلًا كبيرًا في الأوساط السياسية والدبلوماسية.
يرى مراقبون، أن هذه الخطوة تمثل تحولًا ملحوظًا في استراتيجيات إدارة بايدن في التعامل مع طالبان، لا سيما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
ورغم الاحتفاء بإطلاق سراح رايان كوربيت وويليام والاس ماكنتي، إلا إن استثناء أميركيين آخرين مثل جورج غليزمان، ميكانيكي الطيران السابق، ومحمود حبيبي، الأميركي المتجنس، أثار انتقادات واسعة.
عائلة كوربيت عبرت عن امتنانها للإدارة الأميركية، لكنها لم تُخفِ أسفها على استبعاد الآخرين، مؤكدة أن عودة رايان كان ينبغي أن تتزامن مع إطلاق سراح جميع الرهائن.
هذا الاستثناء يسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجهها واشنطن في المفاوضات مع طالبان، حيث أشارت تقارير أن الإدارة الأميركية قدمت عدة عروض لتأمين الإفراج عن جميع الرهائن، لكن الحركة رفضت هذه المقترحات.
من الناحية السياسية، يرى محللون، أن الصفقة قد تكون خطوة تمهيدية لتحسين العلاقات بين واشنطن وكابول، مع التأكيد على استمرار صعوبة التوصل إلى حلول شاملة مع طالبان التي تستخدم الرهائن كورقة ضغط.
في الوقت نفسه، أظهرت الصفقة الدور الحاسم الذي تلعبه دول مثل قطر، التي استضافت مفاوضات مكثفة بين الجانبين وساهمت في تسهيل عملية التبادل.
*دور قطر في المفاوضات*
لعبت قطر، التي استضافت المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة منذ سنوات، دورًا محوريًا في تسهيل عملية التبادل.
ولم ترد الدوحة رسميًا على تفاصيل الصفقة، لكن يُنظر إلى تدخلها كعنصر أساسي في الحفاظ على خطوط الحوار بين الجانبين، وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة.
*ردود الفعل الدولية*
رغم الترحيب بعودة الأميركيين، حذر خبراء ومراقبون من خطورة هذه الصفقات على المدى الطويل، إذ قد تشجع الجماعات المسلحة على اختطاف المزيد من الأجانب بهدف تحقيق مكاسب سياسية، بحسب "نيويورك تايمز".
كما أعربت منظمات حقوقية عن قلقها إزاء غياب استراتيجية شاملة تضمن الإفراج عن كافة المحتجزين، خاصة مع تقارير عن انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان داخل أفغانستان.
*تداعيات مستقبلية*
بالنظر إلى تعقيد العلاقات بين واشنطن وطالبان، قد تشكل هذه الصفقة أساسًا لتطوير قنوات اتصال مستقبلية بين الجانبين.
طالبان أكدت - في بيانها-، أن "الحوار هو الحل الأمثل للقضايا العالقة"، معبرة عن رغبتها في تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.
لكن هذه التصريحات تواجه شكوكًا كبيرة، في ظل استمرار انتهاكات حقوق الإنسان، وقمع الحريات، ووجود ارتباطات لطالبان بجماعات إرهابية أخرى وفقًا لـ"نيويورك تايمز".