محللون: الحرب تهدد بتمزيق السودان وتحويله إلى دولة منكوبة لعقد كامل

محللون: الحرب تهدد بتمزيق السودان وتحويله إلى دولة منكوبة لعقد كامل

محللون: الحرب تهدد بتمزيق السودان وتحويله إلى دولة منكوبة لعقد كامل
الحرب السودانية

أكثر من عامين منذ اندلاع الحرب في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، حربٌ لم تترك حجرًا على حجر، ولا روحًا في سلام، لتتحول البلاد إلى ساحة دمار شاملة يعيش فيها الملايين بين نزوح وفقر وخوف.

كارثة إنسانية تتفاقم


تُقدّر الأمم المتحدة أن أكثر من 8.5 مليون سوداني قد نزحوا من منازلهم منذ بدء القتال في أبريل 2023، في أكبر موجة نزوح تشهدها القارة الإفريقية خلال العقد الأخير. بينهم أكثر من 1.5 مليون لاجئ عبروا إلى دول الجوار مثل تشاد، جنوب السودان، مصر، وإثيوبيا، فيما يعيش الباقون في أوضاع مأساوية داخل المخيمات أو في مناطق مكتظة لا تصلها الخدمات.

الجوع بات السلاح اليومي، حيث حذرت منظمة الأغذية العالمية (WFP) من أن أكثر من 18 مليون شخص يواجهون انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، بينهم أكثر من 3 ملايين طفل مهددون بسوء تغذية حاد، قد يؤدي إلى الوفاة في ظل الانهيار الكامل للخدمات الصحية.

الاقتصاد انهيار شامل


الاقتصاد السوداني، الذي كان يعاني أصلاً قبل الحرب، دخل مرحلة الموت السريري. العملة فقدت أكثر من 70% من قيمتها، والبنك المركزي لم يعد قادرًا على التحكم في السياسة النقدية، خاصة بعد أن سقطت فروعه الرئيسية في العاصمة في يد طرفي النزاع.

تعطلت قطاعات حيوية بالكامل مثل الزراعة والصناعة والخدمات.

 أكثر من 80% من المصانع الكبرى توقفت، بما في ذلك مطاحن الغلال ومصانع الأدوية والأنشطة التصديرية.

 أما قطاع النفط، شريان الدولة الحيوي، فقد تعرض لضربات مدمرة، مع توقف الضخ من الحقول الرئيسية، وتضرر البنية التحتية في مناطق النزاع.

شبكات المياه والكهرباء خرجت عن الخدمة في العديد من المناطق، لا سيما في دارفور وولاية الجزيرة، وسط شكاوى من انعدام أبسط مقومات الحياة.



دولة على حافة الانهيار

في ظل تعقيد المشهد السياسي، وانعدام أي أفق لحل شامل، يواجه السودان خطر التحول إلى دولة فاشلة بالكامل، ما لم تتدخل أطراف إقليمية ودولية بجدية لوقف إطلاق النار، وبدء عملية سياسية شاملة تعيد للبلاد كيانها، وتفتح الباب لإعادة الإعمار وعودة الدولة إلى شعبها.

وحذر المحلل السياسي السوداني البارز الدكتور محمد عبد الله من أن استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع "يقود البلاد نحو نقطة اللاعودة"، مشيرًا أن الخسائر المتراكمة في الأرواح والاقتصاد والبنية التحتية باتت تفوق قدرة السودان على التعافي في المدى القريب.

وقال د. عبد الله، في تصريحات خاصة للعرب مباشر: إن "ما يجري في السودان ليس مجرد صراع مسلح بين قوتين، بل هو مشروع تفكيك شامل للدولة السودانية بكل ما فيها"، موضحًا أن الحرب دمرت المؤسسات الحيوية، وعطلت التعليم والصحة، وأدت إلى أكبر موجة نزوح داخلية في تاريخ البلاد.

وأضاف: أن السودان الآن "يعاني من غياب كامل لمؤسسات الدولة، وتعدد مراكز القوى، وظهور كيانات مسلحة جديدة في الأقاليم، وهو ما يُنذر بتشظٍ لا يقل خطرًا عن سيناريوهات الحرب الأهلية في ليبيا أو الصومال".

وأكد عبد الله، أن "الخسارة الحقيقية ليست فقط في البنى المهدمة أو الجنيه المنهار، بل في الثقة المفقودة بين مكونات الشعب السوداني، وفي تآكل العقد الاجتماعي".

 ودعا القوى السياسية والمجتمعية إلى "تحمل مسؤولياتها التاريخية، والخروج من منطق الاصطفاف العسكري إلى منطق الإنقاذ الوطني".

وختم بالقول: "إذا لم يتوقف إطلاق النار خلال الشهور القادمة، فإن السودان قد يدخل نفقًا مظلمًا يستمر لعقد أو أكثر، ويحتاج إلى جيل كامل لإعادة بناء ما تم تدميره".

وقال المحلل السياسي السوداني الدكتور حسن حرية: إن الحرب الدائرة في السودان لم تكتفِ بتدمير مؤسسات الدولة والبنية التحتية، بل تجاوزت ذلك إلى "ضرب النسيج الاجتماعي وخلق شروخ عميقة بين مكونات المجتمع السوداني"، ما يجعل خطر الانهيار الداخلي أكبر من خطر الانهيار الأمني.

وفي تصريح خاص للعرب مباشر، أكد حرية أن ما يحدث الآن في السودان "ليس فقط حربًا على الأرض، بل حرب هوية وذاكرة وتاريخ"، موضحًا أن عمليات القتل والتشريد التي طالت المدنيين، خاصة في الخرطوم ودارفور، أدت إلى تفاقم الكراهية والانقسام، وهو ما سيجعل أي عملية مصالحة وطنية مستقبلًا أكثر تعقيدًا.

وأضاف: أن النزوح الجماعي من المدن الرئيسية، وفقدان الملايين لمنازلهم ومصادر رزقهم، خلق ما سماه "جيل الحرب"، وهو جيل كامل يترعرع وسط الخراب والفقر والكراهية، وقد يكون وقودًا لأي فوضى مستقبلية إذا لم يُحتوَ سريعًا.

ودعا حرية المجتمع الدولي إلى "الخروج من مربع الشجب والإدانة، والضغط الجاد على أطراف الصراع للجلوس إلى طاولة مفاوضات حقيقية"، مشيرًا أن استمرار الحرب يعني ببساطة "نهاية الدولة السودانية كما نعرفها".