المسيرات تشعل أم درمان : تصاعد الهجمات الجوية في معركة الخرطوم المستعرة
المسيرات تشعل أم درمان : تصاعد الهجمات الجوية في معركة الخرطوم المستعرة

في تطور خطير يؤكد احتدام الصراع على العاصمة السودانية، هزّت سلسلة انفجارات عنيفة شمالي أم درمان، إثر هجوم جديد بطائرات مسيّرة شنّته قوات الدعم السريع على مواقع استراتيجية للجيش السوداني.
مع تصاعد الدخان واللهب فوق قاعدة وادي سيدنا الجوية ومنطقة جبل سركاب، بدا أن الحرب الطويلة بين طرفي النزاع تدخل مرحلة أكثر خطورة، حيث باتت المسيّرات بعيدة المدى سلاحًا رئيسيًا في معارك السيطرة، وبينما سعت المضادات الأرضية التابعة للجيش إلى التصدي للهجوم، تزايدت مؤشرات الانهيار الأمني وسط استمرار استهداف منشآت حيوية، كان آخرها محطات الكهرباء.
الهجوم الجديد يأتي في وقت كانت فيه القوات المسلحة قد استعادت زمام المبادرة خلال الأسابيع الماضية، لكن تصعيد الدعم السريع يؤكد أن الصراع بعيد عن الحسم، في ظل كارثة إنسانية تتفاقم يومًا بعد يوم، ومشهد سوداني تتداخل فيه المعركة العسكرية مع الانهيار الاجتماعي والمعيشي.
*هجمات عنيفة*
شهدت مدينة أم درمان، شمال العاصمة الخرطوم، مساء الخميس، واحدًا من أعنف الهجمات التي تنفذها قوات الدعم السريع باستخدام الطائرات المسيّرة ضد مواقع الجيش السوداني.
وأفاد شهود عيان ومصادر ميدانية بسماع دوي انفجارات ضخمة وتصاعد ألسنة اللهب من قاعدة وادي سيدنا الجوية وجبل سركاب العسكري.
الهجوم الجديد، الذي نفّذ بطائرات مسيّرة بعيدة المدى، يأتي في سياق تصعيد لافت لقوات الدعم السريع، التي باتت تعتمد بشكل متزايد على الطائرات بدون طيار لاستهداف المنشآت العسكرية الحيوية في العاصمة ومحيطها.
وأكد مراسلون، أن المضادات الأرضية للجيش حاولت التصدي للهجوم، فيما واصل الطيران المسيّر عملياته فوق المنطقة لفترة وجيزة قبل انسحابه.
*استنزاف القوة*
وفي بيان مقتضب، قالت قوات الدعم السريع: إنها تواصل "ضرب معاقل الجيش في الخرطوم وأم درمان"، في إطار ما وصفته بـ"تكتيكات استنزاف القوة"، مؤكدة أن المسيّرات باتت تشكل ركيزة أساسية في معركتها الجارية.
تزامن هذا الهجوم مع سلسلة عمليات مشابهة نفذتها قوات الدعم السريع مؤخرًا، أبرزها استهداف محطة عطبرة التحويلية للكهرباء فجر الجمعة؛ مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في ولايات عدة، وزاد من معاناة السكان الذين يعيشون تحت وطأة الحرب، وأزمة إنسانية خانقة.
وعلى الرغم من أن الجيش السوداني تمكن خلال الشهرين الماضيين من تحقيق تقدم ميداني واضح، واستعادة السيطرة على مواقع عسكرية ودبلوماسية استراتيجية في قلب الخرطوم، إلا أن التطورات الأخيرة تشير أن الدعم السريع لم يفقد قدرته على المبادرة والمناورة، خصوصًا باستخدام أسلحة غير تقليدية كالمسيّرات.
ويأتي هذا التصعيد في ظل استمرار الحرب الطاحنة التي اندلعت منتصف أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي".
وعلى مدى عام كامل، خلفت المواجهات عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، ودفعت أكثر من 13 مليون سوداني إلى النزوح أو اللجوء، وسط تحذيرات من انهيار الدولة بالكامل.
ويعزو مراقبون لجوء الدعم السريع إلى تكثيف الهجمات بالطائرات المسيّرة إلى محاولته تعويض خسائره على الأرض، وعرقلة أي محاولة من الجيش لإحكام سيطرته الكاملة على العاصمة.
وفي المقابل، يواجه الجيش السوداني تحديات مضاعفة، إذ رغم سيطرته النسبية على الأرض، إلا أن امتدادات المعارك إلى منشآت مدنية حيوية تهدد بإفشال جهوده لإعادة الاستقرار، خصوصًا مع تصاعد الغضب الشعبي جراء تدهور الأوضاع الإنسانية والخدمات الأساسية.
من الناحية الإنسانية، حذّرت منظمات دولية من أن استمرار استهداف البنية التحتية الحيوية مثل محطات الكهرباء والمياه قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الصحية والمعيشية في البلاد.
وبينما تتضاءل فرص التوصل إلى تسوية سياسية، يبدو أن الحرب مرشحة لمزيد من التصعيد العسكري، مع دخول أسلحة وتقنيات جديدة إلى ساحات المعركة.
وفي ظل هذا المشهد القاتم، يواصل المدنيون دفع الثمن الأفدح، بين قتلى وجرحى، وبين من فقدوا منازلهم أو مصادر رزقهم، في وقت ما تزال فيه جهود الوساطة الإقليمية والدولية متعثرة.