مفاوضات إيران وأمريكا في عُمان.. تقدم حذر ووعود بجولة حاسمة

مفاوضات إيران وأمريكا في عُمان.. تقدم حذر ووعود بجولة حاسمة

مفاوضات إيران وأمريكا في عُمان.. تقدم حذر ووعود بجولة حاسمة
الرئيس الإيراني

أجرت إيران والولايات المتحدة، أمس السبت، مفاوضات معمقة في سلطنة عمان تناولت التقدم السريع في البرنامج النووي الإيراني، واختتمت المحادثات بوعد بإجراء مزيد من اللقاءات وربما اجتماع رفيع المستوى آخر خلال عطلة نهاية الأسبوع المقبل، حسبما نقلت وكالة "أسوشيتيد برس" الأمريكية.

واستمرت المباحثات لساعات عدة في العاصمة العمانية مسقط، المدينة المحاطة بالجبال على الطرف الشرقي لشبه الجزيرة العربية.

وصف إيراني لمحادثات "جدية وعملية"

أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للتلفزيون الرسمي الإيراني عقب انتهاء المفاوضات، أن الطرفين تبادلا النقاط المكتوبة طوال اليوم، واصفًا المناقشات بأنها كانت "جدية للغاية وتركزت على العمل".

وقال عراقجي: إن "المفاوضات هذه المرة كانت أكثر جدية بكثير مقارنة بالماضي، ودخلنا تدريجيًا في نقاشات أعمق وأكثر تفصيلًا".

وأضاف: "لقد ابتعدنا قليلًا عن المناقشات العامة والعريضة، وإن لم تُحل جميع الخلافات بعد، فما تزال هناك اختلافات قائمة سواء حول القضايا الكبرى أو التفاصيل".

موقف أمريكي متفائل وإقرار بتحقيق تقدم

ومن الجانب الأمريكي، صرّح مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية، أن المباحثات كانت "إيجابية ومثمرة"، مشيرًا أن "الجولة الأخيرة من المحادثات المباشرة وغير المباشرة استمرت أكثر من أربع ساعات". 

وأكد أن هناك الكثير من العمل المتبقي، ولكن تم إحراز تقدم إضافي نحو التوصل إلى اتفاق. 

وأوضح أن الجانبين اتفقا على الاجتماع مجددًا قريبًا في أوروبا، موجهًا الشكر للسلطات العمانية على تسهيل عقد هذه المباحثات.

دور عماني فاعل في تهيئة المناخ للمفاوضات

من جهته، أبدى وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي تفاؤله بنهاية المباحثات، حيث كتب على منصة "إكس"، أن إيران والولايات المتحدة "حدّدتا طموحًا مشتركًا للتوصل إلى اتفاق يقوم على الاحترام المتبادل والالتزامات الدائمة"، مشيرًا أن المبادئ الأساسية والأهداف والهواجس الفنية كلها جرت معالجتها خلال المحادثات. 

وأعلن أن المباحثات ستستمر الأسبوع المقبل مع تحديد موعد مبدئي لاجتماع رفيع المستوى في الثالث من مايو المقبل.

تطورات ميدانية متزامنة مع المفاوضات

وتجدر الإشارة، أن عباس عراقجي كان قد وصل إلى عمان يوم الجمعة عشية بدء المفاوضات، وزار معرض مسقط الدولي للكتاب وسط تغطية إعلامية واسعة من قبل القنوات التلفزيونية والمصورين الصحفيين. 

أما الجانب الأمريكي، فقد تأخر وصوله بسبب التزامات أخرى؛ إذ كان المبعوث الأمريكي ويتكوف في موسكو يوم الجمعة، للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل أن يصل إلى مسقط صباح السبت.

وفي تطور منفصل ومقلق، وقع انفجار ضخم في ميناء بجنوب إيران تزامنًا مع بدء المباحثات، مما أسفر عن مقتل 18 شخصًا وإصابة حوالي 800 آخرين. 

ولم تقدّم السلطات سببًا فوريًا للانفجار، إلا أن المؤشرات أشارت إلى أنه ناجم عن مادة شديدة الاشتعال، مع استبعاد علاقة الحادث بصناعة النفط والغاز. كما أفادت تقارير أمنية خاصة بوجود صلة بين الانفجار وشحنة لمادة كيميائية تُستخدم في تصنيع وقود الصواريخ.

المفاوضات النووية بعد عقود من التوترات


تسعى هذه الجولة من المفاوضات إلى كبح جماح البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع بعض العقوبات الاقتصادية الخانقة التي فرضتها الولايات المتحدة على الجمهورية الإسلامية، في ظل عداوة مستمرة تقترب من نصف قرن.

والرئيس الأمريكي دونالد ترامب كرر تهديده باستخدام الضربات الجوية ضد المنشآت النووية الإيرانية في حال فشل التوصل إلى اتفاق. 

وفي المقابل، كثف المسؤولون الإيرانيون من تحذيراتهم، مؤكدين أنهم قد يتجهون نحو تصنيع سلاح نووي اعتمادًا على مخزونهم من اليورانيوم المخصب إلى مستويات تقترب من الدرجة العسكرية.

وكان الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 مع القوى الكبرى قد نجح في تقييد برنامج طهران النووي، لكن ترامب انسحب منه بشكل أحادي في عام 2018، ما أطلق سلسلة من التوترات والهجمات المتبادلة، وزاد الوضع الإقليمي تأزمًا مع استمرار الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة.

وأثناء سفره إلى روما للمشاركة في جنازة البابا فرنسيس، أعرب ترامب مجددًا عن أمله في أن تسفر المفاوضات عن اتفاق نووي جديد، مع إبقائه الباب مفتوحًا أمام خيار الضربة العسكرية إذا تعثرت المباحثات.

وقال ترامب من على متن طائرة الرئاسة الأمريكية: "الوضع مع إيران يسير بشكل جيد. أجرينا العديد من المحادثات معهم وأعتقد أننا سنتوصل إلى اتفاق. أنا أفضل الاتفاق على البديل الآخر، فهذا سيكون أفضل للإنسانية".

 وأضاف: "هناك بعض الأطراف التي ترغب في التوصل إلى نوع آخر من الاتفاق، أكثر قسوة بكثير، وأنا لا أريد أن يحدث ذلك لإيران إذا أمكننا تجنبه".

محادثات فنية بقيادة خبراء

وعلى صعيد الفريق التفاوضي، تولى نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي قيادة الفريق الفني الإيراني، بحسب ما أفاد به مسؤول حكومي إيراني محمد گلزاري.

ومن الجدير بالذكر أن تخت روانجي سبق أن شارك في مفاوضات الاتفاق النووي عام 2015.

أما الفريق الأمريكي، فقد قاده مايكل أنطون، مدير وحدة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية تحت إشراف الوزير ماركو روبيو. 

ومع أن أنطون لا يمتلك خبرة كبيرة في قضايا السياسة النووية، مقارنة بالمفاوضين الأمريكيين الذين قادوا محادثات 2015، إلا أنه تصدى لقيادة الفريق التقني الحالي.

وأبرزت إيران تمسكها بحقها في استمرار تخصيب اليورانيوم، فيما تسبب ويتكوف في بعض الإرباك عبر إدلائه بتصريحات متناقضة؛ إذ أشار بداية إلى إمكانية السماح لإيران بالتخصيب بنسبة 3.67%، لكنه عاد لاحقًا وطالب بوقف جميع أنشطة التخصيب، وهو مطلب كرره كذلك الوزير روبيو.

تفاؤل حذر بين الإيرانيين


ورغم التحديات، يبقى هناك قدر من التفاؤل الشعبي داخل إيران بشأن إمكانية نجاح المفاوضات، لا سيما مع تعافي العملة الإيرانية الريال من أدنى مستوياتها التاريخية، حيث كان سعر الدولار الواحد قد تجاوز حاجز المليون ريال في فترات سابقة.

وقال فارزين كيفان، أحد سكان طهران: "لا بأس بالتفاوض، سواء لتقليص أو توسيع البرنامج النووي، المهم هو الوصول إلى اتفاق.

 بطبيعة الحال لا ينبغي لنا أن نقدم لهم كل شيء، فقد عانينا كثيرًا من أجل هذا البرنامج".