بين الغضب والتحذير.. العالم يترقب مصير الأزمة الهندية الباكستانية
بين الغضب والتحذير.. العالم يترقب مصير الأزمة الهندية الباكستانية

تصاعدت مجددًا حدة التوتر بين الهند وباكستان مع اندلاع تبادل لإطلاق النار على طول خط السيطرة في كشمير؛ مما أعاد للأذهان مشاهد المواجهات المسلحة التي كادت أن تجرّ الجارتين النوويتين إلى حرب مفتوحة قبل سنوات.
في ليلة مشحونة، تبادل الجانبان النيران الخفيفة في أعقاب هجوم دموي استهدف سياحًا في الجزء الهندي من كشمير، ما فجّر موجة من الغضب الهندي والردود الحادة من إسلام آباد، وسط هذا التصعيد العسكري، توالت الدعوات الدولية لضبط النفس، فيما دخلت أطراف دولية كبرى على خط الوساطة لاحتواء الأزمة قبل خروجها عن السيطرة، وبينما تشير التحليلات إلى احتمال اتخاذ الهند خطوات عسكرية انتقامية، تواصل باكستان التشديد على استعدادها للرد على أي مغامرة، في ظل هذه الأجواء المشحونة، يبدو أن القارة الآسيوية تقف أمام اختبار جديد قد يعيد رسم معادلات التوازن الإقليمي الهش.
*ليلة دامية*
شهدت الحدود الفاصلة بين الهند وباكستان ليلة دامية جديدة، بعد أن أعلن الجيش الهندي، أن قواته تعرضت لإطلاق نار "غير مبرر" من الجانب الباكستاني على طول خط السيطرة في كشمير. ورد الجيش الهندي على الهجمات باستخدام أسلحة خفيفة، دون الإبلاغ عن وقوع إصابات.
يأتي هذا الاشتباك بعد يومين من سلسلة أحداث متفجرة بدأت بهجوم دموي وقع في منتجع باهالغام السياحي، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا بينهم 25 هنديًا ومواطن نيبالي.
وعلى الفور، وجهت الحكومة الهندية أصابع الاتهام إلى إسلام آباد، مطالبةً بالأدلة على تورطها، وهو ما نفته باكستان بشدة واعتبرته اتهامًا "فاقدًا للمنطق".
التوترات لم تقتصر على الجبهة العسكرية، بل اجتاحت المشهد الدبلوماسي كذلك. تبادلت الدولتان طرد الدبلوماسيين، وعلقت التأشيرات، وأغلقت المعابر الحدودية، في مشهد أعاد إلى الأذهان أزمات سابقة كادت أن تجر الجارتين النوويتين إلى مواجهة شاملة.
*دعوات أممية*
الأمم المتحدة سارعت إلى الدعوة لممارسة "أقصى درجات ضبط النفس"، بينما أصدر مجلس الأمن بيانًا شديد اللهجة دان فيه "الهجوم الإرهابي"، مطالبًا بإحالة مرتكبي الجريمة ومنظميها إلى العدالة، دون أن يشير صراحة إلى أي طرف مسؤول.
وفي تطور لافت، أكدت المملكة العربية السعودية أنها تجري اتصالات مكثفة مع الطرفين لاحتواء الأزمة، في محاولة لمنع الانزلاق نحو مواجهة عسكرية.
وقال مسؤول سعودي لوكالة فرانس برس: إن الرياض "تبذل جهودًا نشطة لضمان عدم تصعيد النزاع".
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان له تعليق مقلل من وقع الأزمة، مشيرًا أن "مثل هذه التوترات قائمة منذ 1500 عام"، معربًا عن ثقته في أن الهند وباكستان "ستعالج الأزمة بطريقة أو بأخرى".
*الانتقام الصارم*
إلا أن التصريحات الصادرة من نيودلهي لم تترك مجالًا للتهدئة، إذ أكد رئيس الوزراء ناريندرا مودي أن بلاده ستطارد منفذي الهجوم وداعميهم "إلى أقاصي الأرض".
تلاه وزير الدفاع الهندي بتصريحات نارية تعهد فيها بـ"الانتقام الصارم"، ملمحًا إلى استعداد الهند للرد عسكريًا.
في المقابل، رد وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف بلهجة لا تقل حدة، محذرًا من أن أي مغامرة عسكرية هندية "ستُقابل بردٍّ عنيف"، معترفًا بأن احتمالات اندلاع حرب شاملة "واردة" ولها "عواقب وخيمة".
على الأرض، نفذ الجيش الهندي عملية هدم لمنزلين قيل إنهما يعودان إلى عائلات منفذي الهجوم، فيما يرى مراقبون أن الخطوات الهندية تهدف إلى إرسال رسائل داخلية قوية في ظل الضغط الشعبي، ولكنها أيضًا تزيد من تعقيد الموقف مع باكستان.
يُذكر أن الهند وباكستان، منذ استقلالهما عن بريطانيا عام 1947، خاضتا ثلاث حروب دامية، كان النزاع حول كشمير محور اثنتين منها.
وفي العام 2019، عقب هجوم دموي آخر، كادت المواجهات العسكرية أن تتطور إلى صراع شامل، بعد تبادل الضربات الجوية وأسر طيار هندي.
من جانبهم، يرى مراقبون، أن المنطقة تبدو أمام مشهد مألوف وخطير، إذ تتراكم الإجراءات العقابية والتهديدات العسكرية في ظل غياب أي وساطة فاعلة حتى الآن. المخاوف تتزايد من أن أي حادثة إضافية قد تشعل فتيل الحرب، خصوصًا مع تعاظم الخطاب القومي في كلا البلدين، ومع استمرار استخدام ملف كشمير كسلاح سياسي داخلي.
المراقبون حذروا من أن استمرار التوتر دون كبحه سيفتح الباب أمام مزيد من التصعيد، مع احتمال توسع رقعة الاشتباكات الحدودية إلى صراع أوسع يصعب احتواؤه لاحقًا.
وفي ظل الأوضاع الحالية، يبدو أن الطريق إلى التهدئة سيكون مليئًا بالألغام الدبلوماسية والعسكرية على حد سواء.