أتلانتيك كاونسل: الصين مصممة على تشويه سمعة الولايات المتحدة فيما يتعلق بحرب غزة
الصين مصممة على تشويه سمعة الولايات المتحدة فيما يتعلق بحرب غزة
قال موقع مركز "أتلانتيك كاونسل" البحثي للدراسات السياسية في تحليل بعنوان "الصين مصممة على تشويه سمعة الولايات المتحدة فيما يتعلق بحرب غزة"؛ إنه إذا كانت الصين تنتهج سياسة حذرة فيما يتصل بالحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر.
سياسة المواقف الخطابية
وأضاف التحليل أن بكين تتبنى سياسة المواقف الخطابية المنخرطة في الجهود الدبلوماسية الدولية مع تجنب المخاطر العالية، وهذا ما يفسر جزئياً إصرارها على إبقاء تدخلها غامضاً وعاماً، في 30 نوفمبر، وهو اليوم الأخير من رئاستها الدورية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، نشرت الصين ورقة موقف مكونة من خمس نقاط تشبه ورقتها المكونة من اثنتي عشرة نقطة بشأن حرب أوكرانيا التي لم تذهب بعيدا، وبشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتي تضمنت الدعوة إلى وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وكذلك الوساطة والتسوية السياسية نحو حل الدولتين. وكانت هذه هي رسالة الصين الثابتة منذ السابع من أكتوبر.
لهجة عدوانية ضد إسرائيل
وأردف التحليل أنه في الوقت نفسه، صعدت بكين من لهجتها العدوانية ضد إسرائيل دون الإشارة إلى هجمات حماس الشنيعة ضد المدنيين الإسرائيليين. في 15 أكتوبر، انتقد وزير الخارجية الصيني وانغ يي قصف إسرائيل للمدنيين، قائلاً: "لقد تجاوزت تصرفات إسرائيل الدفاع عن النفس"، ووصف الحملة الإسرائيلية كـ "عقاب جماعي"، ومن خلال عزل إسرائيل، ترسل بكين رسالة واضحة مفادها أن البلاد تحتل مرتبة متدنية في أولوياتها الاستراتيجية،ومن دواعي سرورها أن تتعامل معها باعتبارها ضررًا جانبيًا لكسب اعتراف الدول العربية والإسلامية كزعيم شرعي للجنوب العالمي.
صداقة العرب
في 20 نوفمبر، استقبل وانغ يي اللجنة الوزارية العربية والإسلامية المعنية بالحرب في غزة في بكين، وهي محطتهم الأولى كجزء من حملة دبلوماسية لإنهاء الحرب، وقال وانغ إن "الصين صديق جيد وشقيق للدول العربية والإسلامية... لقد قمنا دائمًا بحماية الحقوق والمصالح المشروعة للدول العربية، ولقد دعمت الدول الإسلامية دائمًا وبقوة القضية العادلة للشعب الفلسطيني".
ويرى التحليل أن الصين لديها هدف واضح، فهي تريد توحيد موقفها مع الدول العربية والإسلامية بشأن الحرب! وفي المقابل، تتوقع أن تتلقى دعمهم في المنظمات الدولية بشأن القضايا الاستراتيجية مثل تايوان، وإقليم شينجيانغ، ونموذج الحوكمة العالمية في الصين، ولكن من المرجح أن تأتي سياسة بكين بنتائج عكسية. ولا تحظى الصين بثقة إسرائيل ولا ثقة الفلسطينيين، ويتعارض موقف الصين مع الدول العربية المؤثرة ويفتقر إلى المصداقية والنفوذ لكبح جماح إيران ووكلائها في المنطقة.
العلاقة مع إسرائيل
وأكد التحليل أن إسرائيل لم تعد ترى في الصين وسيطاً جديراً بالثقة، فقد شعرت إسرائيل "بخيبة أمل عميقة" بسبب رد فعل بكين على هجوم 7 أكتوبر، على الرغم من أن خيبة أمل إسرائيل محيرة بعض الشيء نظرًا لموقف الصين الثابت المؤيد للفلسطينيين منذ ماو تسي تونغ، إلا أن سياسة الأخير بشأن غزة ستترك أثرًا نفسيًا في السياسة الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية والوعي العام.
أما الفلسطينيون فلا يثقون في قدرة الصين على لعب أي دور ذي معنى في الصراع، فخلال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بكين في يونيو، رفعت الصين علاقتها مع السلطة الفلسطينية إلى "الشراكة الإستراتيجية” – ثاني أعلى مرتبة في التفاعلات الدبلوماسية الصينية، وقدم الرئيس الصيني شي جين بينغ اقتراحًا من ثلاث نقاط يهدف إلى تحقيق حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية.
جدية الصين المزيفة
ومع ذلك، فقد ثبت أن جدية الصين في الوساطة مجرد دخان ومرايا، منذ بداية الحرب، قدمت بكين مساعدات إنسانية ضئيلة للفلسطينيين بقيمة 4 ملايين دولار، كما أن غموض اللغة الدبلوماسية الصينية والمبلغ الضئيل من الأموال التي يقدمها ثاني أكبر اقتصاد في العالم يتساوى مع مستوى ثقة الفلسطينيين في صدق الصين في لعب دور، والتصورات السلبية لدى كل من الإسرائيليين والفلسطينيين تجعل آفاق الوساطة الصينية مجرد وهم.
علاوة على ذلك، تبدو الصين بعيدة عن العمق فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ورغم أن موقف الصين المؤيد للفلسطينيين يتوافق مع أغلبية حكومات الشرق الأوسط، فإن سياستها المتمثلة في رفض اتهام حماس بقتل المدنيين عن غير قصد تتناقض مع شركائها في الحكومات العربية، وذلك لأن صمت بكين الصارم تجاه حماس يرفع الجماعة إلى مستوى السلطة الفلسطينية كممثل شرعي للقضية الفلسطينية.
موقف متناقض
هذا الموقف المتناقض لا يعني أن الحكومات العربية تقول أشياء مختلفة عن حماس في السر مقارنة بتصريحاتها العلنية! وأدانت الدول العربية استهداف إسرائيل للمدنيين و"الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي" في غزة.
وعلى الرغم من تعمد الصين تجنب المشاركة في الصراع، فقد تم اعتبارها عامل استقرار إقليمي محتمل. وفكر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في تجنيد دعم الصين في احتواء الصراع ومنعه من التوسع خارج غزة، وكرر بلينكن نفس الدعوة في 6 ديسمبر، ومن الواضح أن بكين لديها مصلحة في منع الحرب من أن تصبح صراعًا إقليميًا. ويعيش ما يقرب من مليون مواطن صيني ويعملون في الشرق الأوسط. والأهم من ذلك، أن الصين تنظر إلى تدفق النفط من الخليج إلى شواطئها عبر مضيق هرمز ونقاط التفتيش البحرية الأخرى باعتباره مصلحة استراتيجية حيوية، بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الصين مليارات بالاستثمارات في مبادرة الحزام والطريق في المنطقة، وقد وصلت تجارتها الإجمالية مع العالم العربي إلى أكثر من 430 مليار دولار في عام 2022، وتعتمد الصين على الاستقرار الإقليمي، الذي تضمنه البنية الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة، لحماية مصالحها وتوسيعها.
معضلة بكين
واختتم التحليل بالقول بأن ذروة جميع التحديات المذكورة أعلاه تخلق معضلة تامة لبكين. فمن ناحية، إذا اختارت الصين تغيير سياساتها المستقبلية ولعب دور مركزي في الصراع، فلا يوجد دليل على أنها ستكون على استعداد لإنفاق الكثير من رأس المال السياسي على تقديم حلول بديلة لوجهة نظر الولايات المتحدة لحل الدولتين، فليس لدى الصين رؤية للتسوية السياسية ومن غير المرجح أن تقدم واحدة قريبًا، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم عجز المصداقية الذي سيطر على موقف الصين منذ بداية الصراع، والذي من المتوقع أن يتفاقم ما دام لا أحد في إسرائيل وقطاع غزة، أو الضفة الغربية، أو المنطقة الأوسع، يأخذ المقترحات الصينية على محمل الجد. ورغم أن الصين مهتمة بممارسة الضغوط على موقف الولايات المتحدة، فإنها لا ترغب في تحدي دورها التاريخي بشكل مباشر باعتبارها المحور الوحيد في الصراع، وإذا أرادت الصين أن يكون لها دور أكبر، فإن هذا سيتغير حتماً. إن الدفع برؤى بديلة والخلاف مع الولايات المتحدة هو مسعى عالي المخاطر سيستمر في منع بكين من التفكير في تدخل جدي.