كواليس الهدنة الهشة.. الهند وباكستان تتراجعان عن شفا الحرب تحت ضغط دولي

كواليس الهدنة الهشة.. الهند وباكستان تتراجعان عن شفا الحرب تحت ضغط دولي

كواليس الهدنة الهشة.. الهند وباكستان تتراجعان عن شفا الحرب تحت ضغط دولي
الحرب الهندية الباكستانية

أعلنت الهند وباكستان، يوم السبت، وقفًا مفاجئًا لإطلاق النار بعد أربعة أيام من تصعيد خطير تمثل في هجمات بطائرات مسيّرة، وقصف مدفعي، وضربات جوية، كاد أن يجرّ الجارتين النوويتين إلى حرب شاملة جديدة، لكن سرعان ما تبادل الطرفان الاتهامات بخرق الاتفاق بعد ساعات فقط من الإعلان عنه.

وأكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن الاتفاق جاء في أعقاب أربعة أيام من الغارات المتبادلة التي توغلت في عمق أراضي كلا البلدين، بالإضافة إلى قصف عنيف على جانبي خط التماس في كشمير المتنازع عليها؛ ما أسفر عن سقوط العديد من الضحايا المدنيين بين قتلى وجرحى، ونزوح أعداد كبيرة من السكان. 

وقد زاد من حالة الارتباك التي شعر بها المواطنون في كلا البلدين، أن إعلان الهدنة لم يصدر أولًا من الهند أو باكستان، بل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ومع حلول المساء، لم يكن واضحًا بعد ما إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار سينجح في تهدئة الأوضاع المتفجرة في كشمير، لاسيما بعد الهجوم الإرهابي الذي وقع الشهر الماضي في الجزء الخاضع لسيطرة الهند وأسفر عن مقتل 26 شخصًا وأشعل فتيل الأزمة. 

واستمرت التقارير التي تشير إلى تجدد إطلاق النار عبر الحدود، وأعلن فيكرام ميسري، وكيل وزارة الخارجية الهندية، خلال مؤتمر صحفي، عن حدوث "انتهاكات متكررة" لاتفاق الهدنة.

ضربات متبادلة وأهداف مستهدفة


قال مسؤولون في البلدين: إن عدة مواقع قد تعرّضت لضربات يوم السبت، لكن لم يتضح بعد مدى نجاح تلك الهجمات. 

وشملت الأهداف المعلنة قواعد جوية ومواقع عسكرية مهمة، منها قاعدة نور خان الجوية بالقرب من العاصمة الباكستانية إسلام أباد، وقاعدة باثانكوت الجوية ومحطة أودهامبور الجوية في الهند، إلى جانب منشآت عسكرية أخرى في سورتغاره.

واتهم وكيل وزارة الخارجية الهندية باكستان بانتهاك الاتفاق، وأكد أن بلاده "ستتعامل بحزم" مع هذه الانتهاكات وسترد بقوة عليها.

 من جهته، أعلن المتحدث باسم الخارجية الباكستانية، أن بلاده "ملتزمة بتطبيق وقف إطلاق النار"، وأن قواتها "تتصرف بمسؤولية رغم الانتهاكات التي ترتكبها الهند في بعض المناطق"، مضيفًا أن الحلول يجب أن تُبحث عبر "التواصل على المستويات المناسبة".

دور أمريكي في الوساطة وسط تضارب في التصريحات

قال ترامب: إن الاتفاق تم التوصل إليه بوساطة أمريكية، وهو ما أكدته لاحقًا تصريحات رسمية من الهند وباكستان، وإن كانت الأخيرة هي الوحيدة التي اعترفت سريعًا بالدور الأمريكي. 

ويُعد ذلك تطورًا لافتًا في موقف إدارة ترامب، خاصة أن نائب الرئيس جي دي فانس كان قد صرّح قبل أيام لقناة فوكس نيوز، بأن الولايات المتحدة "لن تتدخل في حرب ليست من شأنها ولا تؤثر على مصالحها".

ولكن في بيان رسمي لاحق، قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو: إن فريقه بالتنسيق مع فانس أجرى محادثات مكثفة مع كبار المسؤولين في البلدين، بمن فيهم رئيسا الوزراء، خلال 48 ساعة. 

وأشار روبيو، أن الهند وباكستان اتفقتا على "بدء محادثات حول مجموعة واسعة من القضايا في موقع محايد".

غير أن المسؤولين الهنود أصرّوا على أن الاتفاق تمّ التوصل إليه مباشرة بين نيودلهي وإسلام أباد، دون تدخل خارجي، ونفوا وجود أي التزام بإجراء محادثات موسعة في موقع ثالث. 

وتشمل القضايا العالقة بين البلدين ملفات دبلوماسية وأمنية، ومسائل تتعلق بالمجال الجوي، ومعاهدة تقاسم المياه التي تُعدّ حيوية بالنسبة للقطاع الزراعي في باكستان، وكلها تأثرت سلبًا بعد الهجوم الإرهابي الأخير.

بوادر انفراج محدودة 


في مؤشر محدود على تراجع حدة التوتر، أعادت باكستان فتح مجالها الجوي يوم السبت أمام جميع الرحلات، لكن لم تُسجّل أي خطوات دبلوماسية أخرى مثل إعادة العلاقات القنصلية أو تخفيف قيود التأشيرات المتبادلة، أو استئناف العمل بمعاهدة تقاسم المياه.

في الوقت نفسه، لم تدم حالة الارتياح التي شعر بها السكان في كشمير طويلًا، حيث عادت أصوات القصف والطائرات المسيّرة لتحلق مجددًا في سماء المنطقة.

تصعيد غير مسبوق


وشهدت الأيام الماضية تصعيدًا لافتًا في حدة المواجهات بين البلدين. فبعد الهجوم الإرهابي في كشمير، اتهمت الهند باكستان بدعم الجماعات المتطرفة التي نفذت الهجوم، وهو ما نفته إسلام أباد. ثم شنّت الهند، يوم الأربعاء، ضربات استهدفت ما وصفته بـ"بنى تحتية إرهابية" داخل الأراضي الباكستانية، ما دفع الأخيرة إلى التعهد بالرد دفاعًا عن سيادتها.

وتوالت بعد ذلك الضربات والهجمات المضادة بطائرات مسيّرة وصواريخ وقذائف مدفعية، وكل طرف اعتبرها "ردًا" على الآخر.

رغم التصريحات الرسمية المتكررة بأن الحرب ليست مرغوبة، كانت كل ليلة تشهد مزيدًا من الهجمات التي تطال عمق الأراضي الهندية والباكستانية، فيما تحدّث سكان كشمير عن انقطاعات في الكهرباء وقصف عنيف وتحليق للطائرات بدون طيار والصواريخ.

وفي إحدى الضربات الهندية يوم الأربعاء، أعلنت باكستان أنها أسقطت خمسة طائرات حربية هندية، بينما رفضت الهند تأكيد أو نفي تلك الأنباء.

وفي اليوم التالي، قالت الهند إنها تصدت لهجوم باكستاني بطائرات مسيّرة وصواريخ استهدف أكثر من 12 مدينة، وإنها نجحت في تدمير أنظمة دفاع جوي باكستانية.

من جهتها، أعلنت باكستان أنها أسقطت 25 طائرة مسيّرة هندية اخترقت مجالها الجوي.

وفي تصعيد إضافي يوم الجمعة، قالت الهند: إن الجيش الباكستاني أرسل ما بين 300 إلى 400 طائرة مسيّرة لاختبار الدفاعات الجوية الهندية في عشرات المواقع.

هدنة مؤقتة


وبحلول صباح السبت، قبيل إعلان الهدنة، كانت! الأمور تزداد سوءًا. فقد صرّحت باكستان أن الهند استهدفت ثلاث قواعد جوية باكستانية بصواريخ، بينها منشأة عسكرية مهمة قرب العاصمة، وذكر شهود عيان أنهم سمعوا ثلاثة انفجارات ضخمة، أحدها أسفر عن كرة نار هائلة شوهدت من مسافة بعيدة.

وعلى الفور، أعلنت القوات المسلحة الباكستانية أنها ردت على عدة مواقع عسكرية هندية في عملية وصفتها بأنها "العين بالعين".

وقالت الضابطة في سلاح الجو الهندي، فيوميكا سينغ، خلال مؤتمر صحفي: إن الأضرار التي لحقت بالقواعد الهندية كانت محدودة، وأن الهجوم الهندي كان ردًا على "هجمات باكستانية بطائرات مسيّرة ومقاتلات".

قلق دولي من تصعيد غير مسبوق


قال سيث كرومريتش، المحلل العسكري والضابط السابق في الجيش الأمريكي: إن هذا التصعيد هو "الأكثر عنفًا وإثارة للقلق" منذ اندلاع النزاع بين الهند وباكستان.

لكنه أشار أن استهداف المنشآت العسكرية فقط، والتوازن في نوعية الهجمات ومستواها، يُظهر أن الطرفين يتعمدان ضبط الإيقاع العسكري، ما يجعله متفائلًا بحذر، مؤكدًا أن "أيا من الجانبين لا يسعى إلى ضربة استراتيجية تؤدي إلى تصعيد شامل".

ومع دخول الطائرات المسيّرة كعنصر جديد في المواجهة، وتصاعد سيل المعلومات المضللة عبر الإنترنت، ازدادت صعوبة فهم طبيعة النزاع وحجم خسائره.