تغير المناخ يهدد مستقبل مدن عالمية.. بانكوك والقاهرة وباريس

يهدد تغير المناخ مستقبل مدن عالمية

تغير المناخ يهدد مستقبل مدن عالمية.. بانكوك والقاهرة وباريس
صورة أرشيفية

تواجه معظم مدن العالم، التي تضم ثمانين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ومعظم سكان الأرض، تهديدًا خطيرًا بسبب تغير المناخ، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز، وأشار التقرير إلى أن المدن الكبرى على السواحل الشرقية والغربية للولايات المتحدة، وغيرها من الموانئ الحضرية، قد تغرق بشكل تدريجي في العقود القادمة من القرن الحادي والعشرين، بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن ذوبان الجليد.

واستنادًا إلى مؤشر المدن لتغير المناخ لعام 2050، الذي أصدرته منصة Nest pick المتخصصة في بحوث المناخ، فإن بانكوك هي المدينة الأكثر عرضة لخطر الفيضانات، حيث توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن أكثر من خمسة ملايين من سكانها سيتأثرون بالفيضانات بحلول عام 2070.

الجفاف والحرارة يهددان الأمن الغذائي والصحي

وليس فقط المدن الساحلية التي تواجه مخاطر تغير المناخ، بل أيضًا العديد من المدن الواقعة على ضفاف الأنهار، مثل باريس والقاهرة ونيودلهي، التي تتعرض لخطر الفيضانات بسبب زيادة تدفق المياه. وفي المقابل، تعاني المدن البعيدة عن المصادر المائية، مثل فينيكس وبرازيليا ومكسيكو سيتي، من الجفاف والنقص في المياه الصالحة للشرب.

ومن المتوقع أن يزداد عدد المدن التي تتعرض للحرارة المرتفعة بشكل كبير بحلول عام 2030؛ ما يؤثر على صحة ورفاهية سكانها، ويزيد من خطر الأمراض والوفيات، كما أن الظواهر الجوية المتطرفة، مثل العواصف والزلازل والبراكين، ستصبح أكثر شيوعًا وشدة؛ ما يتسبب في خسائر بشرية ومادية هائلة.

التكاليف الاقتصادية والبشرية لتغير المناخ

وفي البلدان الإفريقية والآسيوية الناشئة التي تشهد نموًا حضريًا متسارعًا، سيتعرض الملايين من الفقراء الذين يعيشون في المدن لخطر الفيضانات والمجاعة والأمراض المرتبطة بالحرارة، وسيؤدي ذلك إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وزيادة التوترات والصراعات.

ويمكن أن يؤثر تغير المناخ أيضًا على البنية التحتية والمباني في المناطق الحضرية، حيث تميل المدن إلى أن تكون أكثر سخونة من المناطق الريفية بسبب احتجاز الحرارة والانبعاثات الصادرة عن المباني والمركبات.

وهذا يعني أن الطوابق التجارية وناطحات السحاب والمصانع قد تصبح غير قابلة للعيش أو العمل فيها، ووفقًا للتقرير، فإن التكاليف الاقتصادية لتغير المناخ على المدن العالمية قد تصل إلى 194 مليار دولار سنويًا، وهذا يشكل عبئًا كبيرًا على الموارد والميزانيات العامة للمدن.

ما الحلول الممكنة للتكيف مع تغير المناخ؟

ومع تباعد احتمال تحقيق هدف اتفاق باريس للمناخ، الذي يهدف إلى الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية أو أقل من 2 درجة مئوية، تحتاج المدن إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتكيف مع تغير المناخ وزيادة مرونتها.

وفي هذا السياق، تتبنى بعض الدول خططًا وطنية طموحة للتعامل مع تغير المناخ، فمثلاً، تخطط الحكومة الإندونيسية لنقل عاصمتها من جاكرتا، التي يقع 40% منها تحت مستوى سطح البحر، إلى عاصمة جديدة في جزيرة بورنيو.

تخضير المدن لتبريدها وتقليل خطر الفيضانات

وتسعى دول أخرى إلى "تخضير" مدنها بإنشاء متنزهات وحدائق ومساحات خضراء؛ ما يساعد على تبريد المناطق الحضرية وامتصاص المياه الزائدة وتقليل خطر الفيضانات، ومن الأمثلة على ذلك مدينة سنغافورة، التي تعرف باسم "المدينة الحديقة"، والتي تضم أكثر من 300 متنزه وأربعة حدائق وطنية، وتهدف سنغافورة إلى زيادة نسبة المساحات الخضراء في المدينة إلى 45% بحلول عام 2030.

وتعتبر مدينة كوبنهاغن في الدنمارك أيضًا مثالًا على مدينة خضراء، حيث تم إنشاء مجموعة من الحدائق المائية والمسطحات الخضراء للتخفيف من آثار الفيضانات والحرارة، وتخطط كوبنهاغن لأن تصبح أول مدينة محايدة من حيث الكربون في العالم بحلول عام 2025.

التكيف مع تغير المناخ

لكن هذه الحلول ليست كافية لمواجهة تحديات تغير المناخ، فالمدن بحاجة أيضًا إلى وضع إستراتيجيات وسياسات وإصلاحات لزيادة قدرتها على التكيف والمرونة، ومن بين الإجراءات الممكنة تعزيز قواعد التخطيط العمراني والبناء، وتحسين الخدمات العامة والصحية والاجتماعية، وزيادة الوعي والتوعية بين المواطنين.

وتحتاج المدن أيضًا إلى زيادة الاستثمار في الدفاعات ضد الفيضانات وحلول هندسة الأراضي والتكنولوجيا الخضراء، التي تساعد على تقليل الانبعاثات والتلوث والاستهلاك المفرط للموارد، ويمكن للمؤسسات المالية الإقليمية والدولية تقديم الدعم والتمويل للمدن في البلدان النامية، التي تعاني من نقص في القدرات والميزانيات.

تحدٍّ عالمي

إن تغير المناخ هو تحدّ عالمي يهدد مستقبل المدن وسكانها. وتحتاج المدن إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وشاملة للتكيف مع تغير المناخ وزيادة مرونتها. ويتطلب ذلك التعاون والتنسيق بين الحكومات والمجتمعات والقطاع الخاص والمنظمات الدولية.

ويجب أن تكون هذه الإجراءات متوافقة مع أهداف اتفاق باريس للمناخ التي تهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والحد من زيادة درجة حرارة الأرض.