حمى القلاعية تهدد الثروة الحيوانية في ليبيا وتثير أزمة اقتصادية.. ما القصة؟
حمى القلاعية تهدد الثروة الحيوانية في ليبيا وتثير أزمة اقتصادية.. ما القصة؟
تشهد القرى في غرب ليبيا حالة من الخوف والقلق جراء انتشار مرض الحمى القلاعية بشكل واسع، ما أدى إلى إغلاق العديد من الأسواق الأسبوعية وتدمير الثروة الحيوانية. تفشي المرض يهدد معيشة المربين في مناطق مثل مصراتة، حيث أودى بحياة مئات رؤوس الماشية، مما تسبب في أزمة اقتصادية وانخفاض حاد في إنتاج الحليب واللحوم.
انتشار واسع وخسائر فادحة
وفقًا للمركز الوطني للصحة الحيوانية، تم تسجيل 47 بؤرة لتفشي المرض في مارس الماضي، مما أدى إلى نفوق مئات رؤوس الماشية. ويؤكد المربون أن الحمى القلاعية تسببت في تدمير قطعانهم بشكل كبير، وفقًا لوكالة “فرانس برس”، وهو ما أكده نجم الدين تنتون، أحد مربي الماشية في مصراتة، حيث أشار إلى خسارته لأكثر من 300 بقرة من أصل 742 في مزرعته، مما جعل مستقبله الاقتصادي يبدو قاتمًا. المرض يصيب المجترات مثل الأبقار والأغنام والماعز، ويعتبر مميتًا بشكل خاص للحيوانات الصغيرة.
إجراءات للحد من تفشي المرض
لوقف انتشار المرض، يعتبر الإعدام الحل الوحيد المتاح حاليًا. انتشر الوباء بدايةً في شرق ليبيا، قبل أن ينتقل تدريجيًا إلى الغرب، مما أثر بشدة على المزارع الصغيرة في مصراتة، حيث فقد بعض المربين نحو 70% من قطعانهم. ووصف سالم البدري، مدير مكتب الصحة الحيوانية في مصراتة، الوضع بـ”الكارثة”، مؤكدًا أن الخيار الوحيد هو ذبح الأبقار المصابة للقضاء على الوباء.
تأثير اقتصادي كبير
إلى جانب التأثير المباشر على المزارع، تضررت الأسواق المحلية أيضًا من ارتفاع أسعار اللحوم ومنتجات الألبان نتيجة انخفاض العرض. في مصراتة، انخفض إنتاج الحليب من 70 ألف لتر يوميًا إلى 20 ألف لتر، مما يكشف عن حجم الكارثة التي سببها تفشي المرض. لم تقتصر الأزمة على الحمى القلاعية فقط، بل أشار البدري إلى انتشار مرض الجلد العقدي، الذي يؤثر سلبًا على صادرات الجلود من ليبيا، حيث تخشى الدول المستوردة شراء جلود من مناطق متأثرة بتفشي الأوبئة. وأوضحت منظمة الأغذية والزراعة العالمية أن انتشار الأمراض بدأ عبر استيراد غير قانوني للحيوانات وعدم خضوعها للفحوصات البيطرية اللازمة، مما زاد من تفاقم الوضع.
انتقادات لعدم استجابة السلطات
عبّر مربو الماشية في ليبيا عن استيائهم العميق من تعامل السلطات مع أزمة الحمى القلاعية، خاصة في ظل تفاقم الوباء وتدمير قطاعات كبيرة من الثروة الحيوانية. الانتقادات الرئيسية تنصب على تأخر السلطات في اتخاذ إجراءات وقائية عاجلة، وعدم توفير اللقاحات اللازمة في الوقت المناسب، مما أدى إلى انتشار المرض على نطاق واسع. العديد من المربين يرون أن الاستجابة الحكومية البطيئة كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ كانوا يتوقعون تدخلاً أسرع لحماية ممتلكاتهم وسبل عيشهم. وأعرب سالم البدري عن أسفه الشديد لهذا التأخر، مشيرًا إلى أن الأموال الحكومية المخصصة لشراء اللقاحات قد تأخرت كثيرًا، مما تسبب في تباطؤ عملية تسليم اللقاحات والأمصال للمناطق المتضررة. وأكد أن السلطات المحلية كانت قد طالبت بتوفير اللقاحات منذ نوفمبر الماضي، وأن تلبية هذا الطلب في وقته كان من شأنه أن يحد من انتشار المرض ويقلل من الخسائر الاقتصادية الفادحة.
تحديات سياسية واقتصادية
الأزمة الصحية التي تواجهها ليبيا جراء تفشي الحمى القلاعية تأتي في ظل تحديات سياسية واقتصادية معقدة تشهدها البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011. تعاني ليبيا من انقسامات سياسية حادة، حيث تتواجد حكومتان متنافستان في الشرق والغرب، مما أدى إلى تدهور أداء المؤسسات الحكومية. هذه الانقسامات أثرت بشكل مباشر على قدرة البلاد على التعامل مع الأزمات، بما في ذلك الأزمة الحالية المتعلقة بالثروة الحيوانية.
من العقبات الرئيسية التي تعترض الحلول السريعة توقف نشاط مصرف ليبيا المركزي، الذي يلعب دورًا حيويًا في إدارة الميزانية العامة وتوزيعها على المناطق المختلفة. هذا التوقف جاء نتيجة للصراعات السياسية المستمرة بين الحكومتين المتنافستين، مما أدى إلى تباطؤ تمويل القطاعات الحيوية، بما في ذلك قطاع الزراعة والثروة الحيوانية. بالإضافة إلى ذلك، تواجه ليبيا صعوبات اقتصادية كبيرة نتيجة لوقف صادرات النفط، المورد الرئيسي للدولة، مما زاد من تعقيد الوضع الاقتصادي وترك السلطات عاجزة عن توفير الدعم المالي الكافي للتصدي للأزمة الحالية.
الانقسامات السياسية المستمرة وتوقف صادرات النفط أثرا سلبًا على جميع القطاعات، حيث تجد الحكومة صعوبة في تلبية الاحتياجات المتزايدة للمجتمع، بما في ذلك توفير اللقاحات والمعدات الطبية الضرورية. كل هذه العوامل أدت إلى تفاقم الأزمة، وترك المربين في مواجهة مستقبل غير واضح، حيث يتوقعون خسائر أكبر إذا استمر الوضع على هذا النحو.
مطالب بالتعويض والدعم
طالب مربو الماشية الحكومة بتوفير اللقاحات بشكل سنوي، بالإضافة إلى تعويضهم عن الخسائر المالية الكبيرة التي تكبدوها. وأوضح نجم الدين تنتون أن إنتاج الحليب في مزرعته انخفض بشكل حاد، مما دفعه للمطالبة بدعم إضافي لتعويض خسائره الاقتصادية المتزايدة.
في ظل الأزمة المستمرة، يعبر المربون عن مخاوفهم بشأن مستقبل القطاع، حيث يشير علي غباق، أحد المربين، إلى أن المخاطر أصبحت كبيرة جدًا، وأنهم لا يعرفون ما إذا كانوا سيتمكنون من تجاوز الأزمة في ظل غياب الدعم الحكومي المناسب.