أسلحة محرّمة وجثث في الطرقات.. الخرطوم تختنق بالصمت الدولي
أسلحة محرّمة وجثث في الطرقات.. الخرطوم تختنق بالصمت الدولي

تغرق العاصمة السودانية في ضباب حرب لا يرحم، حيث تتساقط القذائف على شوارع كانت يومًا نابضة بالحياة، وتغيب الحقيقة وسط زحف الأخبار المتضاربة وتصاعد الاتهامات، الخرطوم، التي دخلت عامها الثاني في صراع دموي بين الجيش وقوات الدعم السريع، تعيش اليوم واحدة من أكثر لحظاتها قتامة، وسط تقارير عن استخدام أسلحة محرّمة دوليًا، وادعاءات متبادلة بالسيطرة على مواقع استراتيجية، فيما يدفع المدنيون الثمن الأغلى من أرواحهم وأمنهم، منطقة بري في شرق المدينة تحولت إلى مرآة للكارثة، حيث تتحدث الشهادات عن عجز السكان عن مغادرة منازلهم، وجثث تتناثر في الطرقات، وانتهاكات تنفذها الأطراف المتحاربة دون رادع، خلف هذه الصورة المتشظية، تتصاعد المخاوف من انزلاق الوضع إلى مرحلة أكثر ترويعًا، في ظل صمت دولي يقترب من التواطؤ، وتحذيرات أممية من كارثة إنسانية تُنسج خيوطها في صمت الخراب.
استمرار المعارك
تشهد الخرطوم تطورات عسكرية مقلقة تشير إلى انزلاق أعمق في مستنقع الحرب، مع تزايد الحديث عن استخدام أسلحة كيماوية وتضارب في المعلومات الميدانية، الأمر الذي يعكس فوضى السيطرة وانعدام المساءلة.
بينما يؤكد الجيش السوداني تقدمه واستعادته مواقع مهمة في قلب العاصمة، تنفي قوات الدعم السريع ذلك، مشيرة إلى استمرار المعارك في النقاط ذاتها، ما يفتح الباب لتساؤلات حول صدقية الطرفين في ظل غياب مراقبة دولية فعالة.
واحدة من أبرز النقاط التي أثارت الجدل في الأيام الأخيرة كانت الحديث عن استخدام الجيش لأسلحة كيماوية في بعض مناطق الاشتباك، تحديدًا في الأنفاق والممرات التي تتحصن بها قوات الدعم السريع. هذا الاتهام، وإن كان يستند إلى تقارير إعلامية وشهادات، إلا أنه لم يُقابل برد رسمي مباشر من قيادة الجيش، باستثناء منصات تابعة له ألمحت إلى "اللجوء إلى خيارات غير تقليدية" لحسم المعركة في الخرطوم.
أسلحة محظورة
من جانبها، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا، نقلًا عن مصادر استخباراتية أميركية، تحدث عن رصد استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية مرتين على الأقل خلال معاركه للسيطرة على العاصمة.
ورغم أن هذا التقرير لم يُحدث ضجة دولية توازي خطورة مضمونه، إلا أن أصداءه بدأت تتردد بقوة داخل السودان، خصوصًا في أوساط منظمات حقوق الإنسان.
من جهة أخرى، تستمر حالة التخبط حول حقيقة السيطرة على القصر الجمهوري القديم المطلّ على النيل الأزرق.
وبينما أعلن الجيش دخوله المبنى بعد معارك عنيفة، قالت قوات الدعم السريع: إن الاشتباكات نا تزال مستمرة في محيطه، مشيرة أن "الجيش دخل واجهة خالية من القوات" في ما وصفته بـ"مسرحية إعلامية".
وبالنظر إلى غياب إعلام مستقل داخل المدينة، بات التحقق من الوقائع مهمة شبه مستحيلة.
لكن المؤكد أن المشهد الميداني يتجه نحو مزيد من الدمار والتفكك، سكان حي بري، كما تنقل شهادات حية، يعيشون تحت وابل من القصف المتبادل، في مدينة مقسّمة بين أطراف الصراع، حيث باتت الخرطوم بحري وأم درمان، ومناطق شرق النيل، خطوط تماس دامية.
أحد السكان المتبقين قال: "لم نعد نعرف من يقصف من، ولا من يسيطر على ماذا، كل ما نراه هو الدخان والموت والعجز".
المدنيون وسط هذا الجحيم هم الحلقة الأضعف، تقارير أممية تحدّثت عن مقتل العشرات في قصف جوي استهدف مناطق مأهولة، وتحذيرات من انهيار منظومة الخدمات الأساسية، فيما تعاني أحياء كاملة من انقطاع الكهرباء والمياه وتراجع حاد في المواد الغذائية، وتبدو أصوات الناجين والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي وكأنها تصرخ في فراغ عالمي لا يسمع.
انفلات أمني
في سياق متصل، تتوالى الاتهامات للجيش السوداني بارتكاب انتهاكات جسيمة. منظمات محلية ودولية، بالإضافة إلى لجان المقاومة، أشارت إلى تورط جنود من القوات النظامية في عمليات نهب واعتقالات تعسفية، لا سيما في مدينة أم درمان وشرق النيل.
إحدى اللجان تحدثت عن "حملة منظمة للنهب تقودها وحدات ترتدي زي الجيش"، ما يؤشر إلى انفلات أمني قد يتجاوز السيطرة المركزية للقيادة.
وفيما تدعو الأمم المتحدة إلى التهدئة وفتح ممرات آمنة، يبدو أن الطرفين غير معنيين بأي حل سياسي في الأفق القريب، خصوصًا مع تزايد الطابع الانتقامي للعمليات العسكرية، فكل جولة من القتال تُخلف وراءها أحياء مدمرة، وجثثًا بلا هوية، وطفولة مقهورة.