من التهميش إلى الإعمار.. مؤتمر جنوب ليبيا يضع الصحة والتعليم على رأس الأولويات
من التهميش إلى الإعمار.. مؤتمر جنوب ليبيا يضع الصحة والتعليم على رأس الأولويات
تتجه الأنظار إلى مؤتمر "إعمار جنوب ليبيا"، الذي ينظمه صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا، وسط آمال كبيرة في إحداث تحول جذري في المنطقة الجنوبية التي تعاني من التهميش، يعكس شعار المؤتمر "من التهميش إلى الإعمار" طموحات الشعب الليبي نحو تحقيق تنمية شاملة، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية.
*أهمية المؤتمر وآمال الليبيين*
أعضاء مجلس النواب الليبي، خلال اجتماعهم مع المدير العام للصندوق، المهندس بالقاسم خليفة حفتر، عبروا عن تطلعاتهم بأن يخرج المؤتمر بمشاريع حقيقية تلبي حاجات المواطنين، مثل تحسين إمدادات الكهرباء، توفير مياه الشرب، وتطوير قطاعي الصحة والتعليم. هذه القضايا الأساسية تشكل جوهر مشاكل الجنوب الليبي الذي يعاني من نقص الخدمات وغياب المشاريع التنموية.
*دور الجيش في استعادة الأمن*
بحسب مختصين في الشأن الليبي، فإن التحول الكبير في منطقة الجنوب جاء بفضل فرض الأمن بعد معارك "عملية الكرامة" التي أطلقها الجيش الليبي ضد الجماعات الإرهابية منذ 2014.
هذا المناخ الآمن شجع الشركات المحلية والدولية على الاستثمار في الجنوب، ما ساعد في بدء عملية إعادة الإعمار التي تديرها الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان.
*مطالب النواب وتوصيات الصندوق*
في الاجتماع مع المدير العام للصندوق، أعرب مصباح دومة، النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، عن ضرورة تطوير مشاريع استراتيجية تواكب طموحات سكان الجنوب، فيما أكد القاسم حفتر، المدير العام للصندوق، على التزام الصندوق بحل الأزمات المتجذرة في المدن الجنوبية، مع التركيز على العمل المشترك مع البلديات.
تأتي هذه الجهود في سياق رفع المعاناة عن المواطنين الذين تأثروا بشدة بسبب نقص الخدمات الأساسية وتدهور البنية التحتية.
*أولويات الإعمار: الصحة والتعليم في المقدمة*
من جهته، أوضح المستشار أحمد النمر، مسؤول متابعة المشروعات بالصندوق، أن خطة الإعمار تبدأ بالأولويات الأكثر أهمية، مشيرًا إلى أن المشاريع تركز في البداية على الصحة والتعليم، يليها تطوير المرافق الأخرى مثل البنية التحتية والسياحة. كما أشار إلى أن المشروع يسعى لتنمية الكوادر البشرية، خاصة في المجالات الطبية، مع العمل على تحويل مدينة مرزق إلى أول مدينة ذكية تعتمد كليًا على الطاقة الشمسية.
في السياق ذاته، أكد أستاذ الصحافة بجامعة بنغازي، علي سليمان، إن انعقاد المؤتمر تحت شعار "من التهميش إلى الإعمار" يمثل "رسالة مهمة" لليبيا، خاصة للجنوب الذي عانى لعقود من تردي الخدمات وعدم الاستقرار، وهو ما حول مدن الجنوب إلى بيئة طاردة للسكان ومستقبل للمهاجرين غير الشرعيين. سليمان يضيف أن جنوب ليبيا أصبح هدفًا للعصابات التي تتاجر بالبشر مستغلة ضعف الرقابة وغياب المؤسسات بعد عام 2011، ما أدى إلى نزوح العديد من السكان خوفًا على حياتهم.
وأضاف سليمان - في حديثه لـ"العرب مباشر" - أن تخصيص مؤتمر لإعادة إعمار الجنوب يعتبر "مؤشرًا على عودة الاستقرار" بفضل جهود القوات المسلحة، ما يفتح الباب أمام التنمية والإعمار. كما يشير إلى أن الجنوب الليبي، ومدينة سبها تحديدًا، هي بوابة المنطقة التي تحتضن ثروات ليبيا من النفط والغاز والمعادن، وأن استقرار الجنوب هو "اللبنة الأساسية" للحفاظ على هذه الثروات وحماية ديموغرافية البلاد.
*نقطة تحول*
في هذا الإطار، يرى المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش أن مؤتمر "إعمار جنوب ليبيا" يشكل نقطة تحول حيوية ليس فقط للجنوب، بل للاقتصاد الليبي ككل.
ويقول المرعاش: "الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم سيخلق بيئة مستقرة ومستدامة للنمو الاقتصادي، ويساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية التي تحتاج إلى بيئة آمنة ومستقرة".
وأضاف المرعاش أن الجنوب الليبي، بما يحتويه من ثروات طبيعية هائلة، يعتبر منطقة استراتيجية للنمو الاقتصادي، لكنه ظل مهمشًا لعقود طويلة بسبب غياب الأمن والمشاريع التنموية. ويشير إلى أن إعادة الإعمار في هذه المنطقة يجب أن تترافق مع تطوير القطاعات الإنتاجية، مثل الطاقة والزراعة، ما سيساهم في تنويع الاقتصاد الليبي وتقليل الاعتماد على النفط.
وأوضح المحلل السياسي الليبي أن "التنمية الشاملة التي تستهدف الجنوب يمكن أن تكون نموذجًا للتنمية في باقي المدن الليبية، خاصة مع التركيز على تطوير الكوادر البشرية والتكنولوجيا، وهو ما يجعل المؤتمر خطوة في الاتجاه الصحيح إذا ما تمت متابعة تنفيذه بشكل دقيق ومنهجي".