من واشنطن إلى المعابر.. كيف أجبر ترامب نتنياهو على تخفيف قبضة الحصار؟

من واشنطن إلى المعابر.. كيف أجبر ترامب نتنياهو على تخفيف قبضة الحصار؟

من واشنطن إلى المعابر.. كيف أجبر ترامب نتنياهو على تخفيف قبضة الحصار؟
حرب غزة

في مشهد سياسي يتشابك فيه الإنساني بالاستراتيجي، تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن سياسة الحصار الكامل المفروضة على قطاع غزة، معلنًا السماح بدخول بعض المساعدات الغذائية إلى السكان المحاصرين، بعد أكثر من شهرين من منع كامل لأي إمدادات.

هذا القرار الذي بدا مفاجئًا في توقيته، جاء بعد ساعات فقط من إعلان الجيش الإسرائيلي توسيع عملياته البرية في القطاع؛ ما أثار تساؤلات حول الدافع الحقيقي وراء هذه الخطوة التي قوبلت بالرفض داخل حكومته، لكن خلف الكواليس، برز اسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب كعامل ضغط رئيسي، ملوحًا بالعقوبات ومطالبًا بتحرك إنساني فوري، هذه التحولات تكشف عن انقسامات داخل القيادة الإسرائيلية وتوتر متصاعد بين تل أبيب وواشنطن، في وقت يتداخل فيه ملف غزة مع ملفات إقليمية أخرى مثل: الاتفاق النووي الإيراني والتصعيد مع الحوثيين. 

*ضغوط أمريكية*


في خطوة أثارت الجدل في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مساء الأحد، الموافقة على إدخال كمية محدودة من المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة، بعد حصار محكم استمر أكثر من عشرة أسابيع.

الإعلان جاء بالتزامن مع إطلاق عملية برية جديدة في القطاع، في مشهد بدا متناقضًا، حيث تتقدم الدبابات في الجنوب بينما تُفتح المعابر جزئيًا في الشمال.

مصادر إسرائيلية أكدت، أن قرار نتنياهو لم يكن نتاج إجماع وزاري، بل جاء نتيجة ضغوط أميركية كثيفة، قادها بشكل مباشر الرئيس دونالد ترامب.

ووفق ما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن غالبية وزراء الحكومة الإسرائيلية عارضوا الخطوة، فيما حاول وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير فرض تصويت في المجلس الأمني المصغر لوقف القرار، إلا أن طلبه رُفض.

من جهته، لم يخفِ وزير الخارجية جدعون ساعر حجم الضغوط التي مورست على الحكومة، مشيرًا أن ترامب لوّح بفرض عقوبات إذا لم تُفتح المعابر جزئيًا أمام المساعدات الإنسانية، لا سيما في ظل تقارير استخباراتية عن تدهور الأوضاع المعيشية في غزة، واحتمال انفجار الأوضاع إقليميًا.

*مناطق إنسانية محددة*


في بيان لاحق، حاول مكتب نتنياهو امتصاص الغضب الداخلي، مشددًا على أن إدخال المساعدات سيكون مشروطًا بإجراءات صارمة لمنع تسربها إلى مقاتلي حماس، حيث سيتم توزيعها في "مناطق إنسانية محددة" بإشراف شركة أمنية أميركية من المقرر أن تبدأ عملها في 24 مايو.

حتى ذلك التاريخ، ستدخل المساعدات إلى مناطق لا تشهد قتالًا شرسًا، في محاولة لخلق فاصل جغرافي بين الإغاثة والعمل العسكري.

ويرى مراقبون، أن هذا القرار يعكس إدراكًا إسرائيليًا متأخرًا لصعوبة الجمع بين حصار كامل وحرب طويلة، وسط ضغوط دولية متزايدة وانتقادات حقوقية متصاعدة.

*ترامب: غزة ورقة في لعبة إقليمية أكبر*


الضغوط التي مارسها ترامب لا يمكن فصلها عن المشهد الإقليمي المعقّد، حيث يشير محللون أن الرئيس الأميركي يرى غزة جزءًا من ملفات مترابطة تشمل الاتفاق النووي الإيراني، ومحادثات وقف إطلاق النار في اليمن.

وبحسب تسريبات دبلوماسية، فإن ترامب عبّر في اتصالات مغلقة مع نتنياهو عن استيائه من "الجمود الإسرائيلي" في ملفات تشكل أولوية لإدارته، على رأسها تهدئة غزة لتحسين شروط التفاوض مع طهران.

في هذا السياق، يرى مراقبون أن ترامب يحاول فرض رؤية مختلفة عن تلك التي تبنّتها واشنطن في عهده الأول، حين كانت الإدارة الأميركية تُتهم بالانحياز الكامل لإسرائيل.

أما اليوم، ومع عودته إلى البيت الأبيض وسط تحديات اقتصادية ودولية، يبدو أن ترامب يسعى لإعادة ضبط العلاقة مع تل أبيب، خصوصًا حين يتعلق الأمر بقضايا تمسّ صورته الدولية.

*انقسامات إسرائيلية تعمّق هشاشة القرار*


في الداخل الإسرائيلي، لم يمر القرار بهدوء، إذ أطلق وزير الأمن القومي بن غفير تصريحات شديدة اللهجة، متهمًا نتنياهو بـ"ارتكاب خطأ جسيم" واتخاذ القرار دون إجماع.

في المقابل، اتهم مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، بن غفير بالتحريض ومحاولة استغلال الملف سياسيًا.

هذا التصدع داخل الحكومة يعكس خلافًا أعمق حول استراتيجية التعامل مع غزة: بين من يرى أن الحصار الكامل أداة ضغط ضرورية في المفاوضات مع حماس، ومن يعتقد أن الانفجار الإنساني في القطاع سيقلب الطاولة على الجميع، سياسيًا وعسكريًا.

*الرهائن مقابل المساعدات*


منذ 2 مارس الماضي، منعت إسرائيل دخول أي مساعدات إلى غزة، معتبرة ذلك ورقة ضغط لدفع حماس إلى إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لديها. 

ومع ذلك، لم تؤدّ سياسة الخنق الكامل إلى تحقيق نتائج ملموسة، بل زادت من الضغوط الدولية على إسرائيل، خصوصًا مع تحذيرات منظمات أممية من كارثة إنسانية وشيكة.

قرار إدخال المساعدات، وإن جاء متأخرًا، يعكس براغماتية اضطرارية فرضها الواقع السياسي والعسكري، ويشير أن "ورقة الرهائن" بدأت تفقد بريقها كأداة ضغط فعّالة في ظل انسداد الأفق التفاوضي.

*إشراف أمني أميركي.. محاولة لضبط الفوضى*


إدخال شركة أمنية أميركية للإشراف على توزيع المساعدات يهدف إلى تقديم تطمينات لإسرائيل بأن المساعدات لن تُستغل عسكريًا.

لكنها في الوقت ذاته تعكس عدم ثقة واشنطن في قدرة المؤسسات الإسرائيلية على إدارة الملف الإنساني في غزة بطريقة لا تثير الغضب الدولي، ولا تُشعل الشارع الفلسطيني.