باحث في الشأن الإيراني: طهران تلجأ إلى المثلث الآسيوي لتعويض خسائرها في الشرق الأوسط
باحث في الشأن الإيراني: طهران تلجأ إلى المثلث الآسيوي لتعويض خسائرها في الشرق الأوسط

في خطوة تعكس تحولًا في أولوياتها الجيوسياسية، بدأت إيران في إعادة توجيه استراتيجيتها الخارجية نحو ما يُعرف بـ"المثلث الآسيوي"، والذي يشمل الصين، روسيا، والهند، وذلك بعد تراجع نفوذها في الشرق الأوسط نتيجة الضغوط الإقليمية والدولية التي أضعفت أذرعها السياسية والعسكرية في المنطقة.
تراجع النفوذ الإقليمي
واجهت طهران حديثًا انتكاسات متتالية في الشرق الأوسط، مع تصاعد الضغط على حلفائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية المتزايدة التي أضعفت قدرتها على تمويل شبكاتها الإقليمية. وأدى هذا التراجع إلى دفع إيران للبحث عن تحالفات جديدة تعزز موقفها الاستراتيجي خارج نطاقها التقليدي.
رهان على الصين وروسيا والهند
تسعى إيران إلى توسيع شراكاتها مع القوى الآسيوية الكبرى، حيث تعزز علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الصين، الشريك التجاري الأكبر لها، عبر اتفاقيات طويلة الأمد تشمل التعاون في قطاعات الطاقة والبنية التحتية. وفي الوقت ذاته، تعمّق إيران علاقاتها العسكرية والاستراتيجية مع روسيا، مستفيدةً من التحولات الجيوسياسية العالمية، خصوصًا في ظل التوترات بين موسكو والغرب بسبب الحرب في أوكرانيا.
أما الهند، فتشكل محورًا آخر في هذه الاستراتيجية، حيث تراهن طهران على موقعها الجغرافي كممر تجاري رئيس عبر ميناء "تشابهار"، الذي يمثل نقطة وصل رئيسية بين إيران وجنوب آسيا، ويساهم في كسر بعض القيود المفروضة على تجارتها البحرية.
تحول استراتيجي أم تكتيكي؟
يرى محللون أن هذا التحول الإيراني قد يكون مؤقتًا أو تكتيكيًا، بهدف تجاوز الضغوط التي تواجهها في الشرق الأوسط، لكنه في الوقت ذاته يعكس إدراك طهران لأهمية تنويع تحالفاتها وعدم الاعتماد فقط على النفوذ الإقليمي. ومع ذلك، فإن مدى نجاح هذه الاستراتيجية سيعتمد على قدرة إيران على تحقيق توازن بين التوجه شرقًا والحفاظ على وجودها في الشرق الأوسط دون خسائر أكبر في ظل هذه التحولات، يبقى السؤال المطروح: هل ستنجح إيران في تعزيز نفوذها داخل "المثلث الآسيوي"، أم أن هذا التوجه سيظل مجرد محاولة للهروب من الضغوط التي تواجهها في محيطها التقليدي؟
أكد الباحث في الشؤون الإيرانية، محمد أبو النور، أن التحول الاستراتيجي الذي تتبناه إيران باتجاه "المثلث الآسيوي"، المتمثل في الصين وروسيا والهند، يأتي في إطار محاولتها تعويض خسائرها المتزايدة في الشرق الأوسط، بعد التراجع الواضح لنفوذها في عدة دول كانت تعتمد عليها في تنفيذ مشروعها الإقليمي.
وأوضح أبو النور - في تصريح لـ"العرب مباشر" - أن إيران تُواجه ضغوطًا غير مسبوقة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مع تصاعد الحصار المالي والعقوبات الاقتصادية، مما جعلها تبحث عن بدائل استراتيجية أكثر استقرارًا، مشيرًا إلى أن شراكتها مع الصين تمثل طوق نجاة اقتصادي، في حين يوفر لها التعاون مع روسيا دعمًا عسكريًا وسياسيًا، بينما تعد الهند بوابة مهمة لتعزيز تجارتها وتخفيف العزلة المفروضة عليها.
وأضاف أن إيران تدرك أن اعتمادها المطلق على النفوذ الإقليمي لم يعد كافيًا للحفاظ على قوتها السياسية والاقتصادية، لذلك تسعى لتنويع تحالفاتها الخارجية، لكن نجاح هذا التوجه سيعتمد على مدى قدرتها على إقناع شركائها الآسيويين بأن التحالف معها لن يعرّضهم لضغوط غربية شديدة، خاصة مع تصاعد التوترات الدولية.
واختتم أبو النور تصريحه بالتأكيد على أن هذا التحول الإيراني يمثل مغامرة محسوبة، لكنه في الوقت ذاته يعكس اعتراف طهران بفشل جزء من استراتيجيتها التقليدية في الشرق الأوسط، مما يفرض عليها إعادة ترتيب أولوياتها الخارجية لتجنب المزيد من الخسائر السياسية والاقتصادية.