إعلام إيراني يحذّر: طهران على أعتاب منعطف تاريخي.. وواشنطن وتل أبيب يستعدان للضربة التالية
إعلام إيراني يحذّر: طهران على أعتاب منعطف تاريخي.. وواشنطن وتل أبيب يستعدان للضربة التالية

في لحظة إقليمية محتقنة، يخيّم على الأجواء في طهران شعور بأن "الحرب لم تنتهِ بعد"، رغم مرور أسابيع على توقف المواجهة العسكرية الأخيرة مع إسرائيل، فالأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وتراجع العملة المحلية، وتصاعد الغضب الشعبي، كلها مؤشرات تُقرأ في الصحافة الإيرانية كامتدادٍ لحربٍ مستمرة بوسائل مختلفة.
صحيفة كيهان، المعروفة بقربها من مكتب المرشد الأعلى، عكست هذا المزاج في مقال ناري كتبه الصحافي جعفر بلوري، حذّر فيه من أن "جولة جديدة من الصراع مع الولايات المتحدة وإسرائيل أقرب مما يظن البعض"، لم يكن المقال مجرد تحليل، بل رسالة سياسية موجّهة للداخل والخارج على السواء، تربط بين تدهور الوضع الاقتصادي وبين "حرب هجينة" تُدار ضد إيران عبر العقوبات والإعلام والتكنولوجيا، وتدعو في الوقت نفسه إلى رفع مستوى الجاهزية العسكرية والاقتصادية استعدادًا لـ"منعطف تاريخي" قد يعيد رسم خريطة المنطقة بأكملها.
حرب مركبّة
بين سطور المقال الذي نشرته صحيفة كيهان، بدا أن طهران تستعد لمرحلة جديدة من المواجهة مع الغرب، ليس بالضرورة في شكل حرب تقليدية، ولكن عبر ما تصفه الصحيفة بـ"حرب مركبة" تشمل الاقتصاد والسياسة والإعلام.
الصحافي جعفر بلوري، المعروف بارتباطه بدوائر صنع القرار، طرح رؤية متشائمة لكنها تعبّر عن مناخ سياسي متوتر داخل إيران، حيث يرى أن ما تعانيه البلاد من اضطراب اقتصادي ليس نتيجة سوء الإدارة أو الفساد فحسب، بل "استمرار مباشر" للحرب التي اندلعت قبل 12 يومًا بين إيران وإسرائيل.
بلوري أوضح، إن العقوبات الغربية الأخيرة، والانهيار في سعر الريال، والهجمات الإلكترونية المتكررة، ليست سوى أدوات "هجوم منسق" تشارك فيه واشنطن وتل أبيب وحلف شمال الأطلسي، بهدف إنهاك المجتمع الإيراني ودفعه نحو التآكل الداخلي.
وفي تفسيره لتداعيات تلك الحرب، يؤكد أن "إسرائيل لم تستطع مواجهة إيران منفردة، فلجأت إلى الدعم الأمريكي، واستندت إلى بنية إعلامية هائلة تضخ روايات معادية لطهران عبر المنصات الغربية والناطقة بالفارسية".
السيناريو السوري
الصحيفة لم تكتفِ بسرد الوقائع، بل ذهبت إلى تحميل ما تسميه "العقل الغربي" مسؤولية تصعيد التوتر في المنطقة، فقد ربطت بين ما حدث في سوريا خلال العقد الماضي وما يجري الآن في إيران، معتبرة أن تل أبيب "تسعى لتكرار التجربة السورية داخل الأراضي الإيرانية عبر استغلال الاضطرابات الشعبية وتحويلها إلى أداة لتفكيك الدولة"، وهي رؤية تجد صداها داخل التيار المحافظ الإيراني الذي يرى أن العدو يسعى إلى تفجير الداخل بدلًا من خوض حرب مباشرة.
وتستند "كيهان" في تحليلها إلى ما تسميه "عقيدة بن غوريون"، التي ترى أن أمن إسرائيل لا يتحقق إلا بإبقاء الجوار العربي والإسلامي في حالة فوضى وضعف دائمين.
ومن هذا المنطلق، تصف الصحيفة الوضع الراهن بأنه مرحلة "ما قبل الانفجار"، حيث تختبر إسرائيل ومعها واشنطن صلابة النظام الإيراني في مواجهة "الحرب غير المرئية".
إلى جانب التحليل السياسي، حمّل المقال بُعدًا تعبويًا واضحًا، إذ دعا الإيرانيين إلى "عدم الاستسلام للضغوط"، وتعزيز ما تسميه القيادة الإيرانية "الاقتصاد المقاوم"، أي الاعتماد على الذات في مواجهة الحصار المالي الغربي.
وشدد على ضرورة الحفاظ على "تماسك الجبهة الداخلية"، معتبرًا أن انهيار الثقة بين المواطن والدولة هو السلاح الأخطر الذي يمكن أن يستخدمه الخصوم ضد طهران.
كما نقلت الصحيفة تصريحًا لوزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان، قال فيه: إن "من يظن أن المواجهة مع إيران انتهت فهو واهم"، مؤكّدًا أن طهران تواصل تطوير قدراتها الدفاعية والصاروخية "بصمت لكن بثبات".
بالنسبة لـكيهان، فإن مثل هذه التصريحات ليست تحذيرًا بل "اعتراف ضمني" بأن إسرائيل تدرك حدود قوتها أمام خصم يملك أوراق ضغط متعددة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان.
يرى الدكتور محمد محسن، الخبير في الشأن الإيراني، أن الخطاب الذي تتبناه صحيفة كيهان يعكس تحوّلًا واضحًا في عقل الدولة الإيرانية نحو مزيد من التشدد، في ظل إدراك طهران أن الصراع مع إسرائيل والولايات المتحدة لم يعد قابلًا للاحتواء الدبلوماسي.
ويشير محسن في تصريحات لـ"العرب مباشر"، أن المقال ليس مجرد رؤية صحفية، بل يمثل توجهًا رسميًا يراد له أن يصل إلى الداخل الإيراني لتبرير الأزمة الاقتصادية، وإلى الخارج كرسالة ردع تؤكد استعداد إيران لمواجهة أي تصعيد محتمل.
ويضيف محسن، أن ربط الأزمات المعيشية بـ"الحرب الاقتصادية" يهدف إلى تحويل الغضب الشعبي إلى طاقة مقاومة، بدلاً من أن يتحول إلى احتجاجات داخلية، مضيفًا، أن الحديث عن "عقيدة بن غوريون" وإعادة إنتاج تجربة سوريا يعكسان خوف طهران من سيناريو التفكيك الداخلي أكثر من الخطر العسكري الخارجي.
ويؤكد الخبير المصري، أن المنطقة بالفعل على أعتاب مرحلة إعادة تموضع استراتيجي، وأن أي شرارة جديدة بين طهران وتل أبيب قد تجر الشرق الأوسط إلى صراع متعدد الجبهات، تتداخل فيه السياسة بالطاقة والأمن القومي.