ما بعد الحرب.. صراع داخلي في غزة بين حماس ومجموعات تتهمها بالتخابر

ما بعد الحرب.. صراع داخلي في غزة بين حماس ومجموعات تتهمها بالتخابر

ما بعد الحرب.. صراع داخلي في غزة بين حماس ومجموعات تتهمها بالتخابر
حركة حماس

بعد أيام قليلة من دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، تبدو حركة حماس في سباق مع الوقت لتثبيت سيطرتها الميدانية، ليس فقط بمواجهة أي خروقات محتملة من إسرائيل، بل بملاحقة من تصفهم بـ"المتعاونين" داخل القطاع، فبين الأزقة المدمّرة في حي الشجاعية، تعود أصوات الانفجارات والرصاص لتكسر هدوءًا لم يكتمل، وسط مشاهد ميدانية توحي بأن الهدنة لم تكن سوى استراحة قصيرة في حربٍ طويلة ومتعددة الوجوه.


هذه المرة، ليست المواجهة بين المقاومة وجيش الاحتلال، بل بين حماس وأبناء من غزة تتهمهم بالتخابر، في مشهد يثير جدلاً واسعًا بين من يرى فيه تطبيقًا حازمًا للقانون الداخلي، ومن يعتبره تصفية حسابات سياسية تحت غطاء الأمن، وبينما تحاول الحركة إحكام قبضتها الأمنية، تترقب الأنظار كيف ستوازن بين خطابها المقاوم وممارساتها الأمنية في مرحلة ما بعد الحرب.


مجموعات مطلوبة


شهدت الساعات الأخيرة شرق مدينة غزة توترًا متصاعدًا مع تنفيذ أجهزة الأمن التابعة لحركة حماس مداهمات واسعة استهدفت مجموعات وصفتها بـ"المطلوبة والخارجة عن القانون"، يشتبه بتورطها في التعاون مع إسرائيل خلال الحرب الأخيرة.


ووفق شهود عيان، اندلعت اشتباكات عنيفة في أحياء الشجاعية والزيتون والتفاح، سُمع خلالها دوي انفجارات متتالية ناجمة عن تبادل إطلاق النار واستخدام عبوات ناسفة صغيرة في بعض المواقع.


وأكدت مصادر أمنية في الحركة، أن العملية "جزء من حملة أمنية منظمة تهدف إلى تفكيك شبكة متعاونين كانت تزود إسرائيل بمعلومات استخبارية عن تحركات المقاومة". وأضافت: أن "التحقيقات الأولية كشفت عن تورط عناصر من عائلات معروفة في القطاع في نقل إحداثيات مواقع عسكرية وأسماء مقاتلين خلال القصف الإسرائيلي الأخير".


في المقابل، تحدثت تقارير إعلامية محلية عن مشاهد إعدام علنية نفذتها مجموعات من كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، بحق فلسطينيين اتُهموا بالتعاون، وهو ما أثار موجة انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تساؤلات حول قانونية هذه الإجراءات وسرعة تنفيذها دون محاكمات واضحة.


لكن مسؤولاً في الحركة دافع عن تلك العمليات، قائلاً: إن "المطلوبين رفضوا تسليم أنفسهم وأطلقوا النار على القوة المكلفة باعتقالهم، ما اضطرها إلى الرد المباشر وفق قواعد الاشتباك".

انفلات أمني


ووفق مصدر أمني في غزة، قُتل ما لا يقل عن 32 شخصًا من أفراد مجموعة مسلحة يُعتقد أنها تابعة لإحدى العائلات المعروفة في المدينة، بينما فقدت حماس ستة من مقاتليها خلال المواجهات التي بدأت منذ يوم الجمعة، تزامنًا مع سريان الهدنة التي رعتها مصر والولايات المتحدة.


وأضاف المصدر: أن "هذه المواجهات كانت متوقعة بعد حالة الانفلات التي رافقت الحرب، ومحاولات بعض المجموعات فرض نفوذها في الفراغ الأمني".


من جانبه، يرى مراقبون أن ما يجري في غزة يعكس مرحلة حساسة في علاقة حماس بالمجتمع المحلي، إذ تجد الحركة نفسها أمام معادلة معقدة، تثبيت سيادتها بعد حرب مدمّرة من جهة، والحفاظ على صورتها كحركة مقاومة من جهة أخرى.


فالمداهمات والإعدامات العلنية قد تمنحها شعورًا بالقوة على المدى القصير، لكنها تضعها تحت مجهر الانتقادات الدولية والمحلية على حد سواء.


وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار إعادة انتشار عناصر حماس في شوارع القطاع، في محاولة لإعادة النظام بعد أسابيع من الفوضى التي رافقت القصف المكثف.


وقال مصدر أمني آخر: إن الحركة "تتعامل بحذر شديد تحسبًا لانهيار وقف إطلاق النار"، مشيرًا إلى أن "التحركات الأخيرة تهدف أيضًا إلى منع تسلل مجموعات مسلحة مناوئة قد تستغل الهدنة لإثارة الفوضى".

إعادة هيكلة شاملة


يقول يحيى قاعود، المحلل السياسي الفلسطيني: إن الحملة الأمنية تحمل رسائل مزدوجة، داخلية تهدف إلى ردع أي محاولات للتحدي أو العصيان بعد الحرب، وخارجية تسعى إلى إظهار قدرة حماس على ضبط الأمن في القطاع استعداداً لأي ترتيبات سياسية قادمة.

فبينما يتركز الاهتمام الدولي على إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية، تسعى الحركة إلى تأكيد أنها صاحبة الكلمة العليا في غزة، ولا مجال لظهور مراكز قوى موازية.


وأضاف قاعود لـ"العرب مباشر": أن ما تقوم به حماس ليس مجرد حملة أمنية عادية، بل هو جزء من عملية إعادة هيكلة شاملة لموازين القوى داخل غزة بعد الحرب، مضيفًا، الحركة تدرك أن الحرب لم تنتهِ فعليًا، وأن السيطرة على الداخل لا تقل أهمية عن مواجهة إسرائيل.


لذلك، فهي تتحرك لإزالة أي تهديدات استخباراتية محتملة، ولتوجيه رسالة للوساطات الإقليمية بأنها الطرف الوحيد القادر على إدارة القطاع أمنيًا وسياسيًا".