رصاصات بلا هوية.. سكان أم درمان تحت رحمة الموت العشوائي

رصاصات بلا هوية.. سكان أم درمان تحت رحمة الموت العشوائي

رصاصات بلا هوية.. سكان أم درمان تحت رحمة الموت العشوائي
أم درمان

في مدينة لم تعد معاركها تقتصر على الخطوط الأمامية، تحوّلت السماء إلى مصدر خطر مجهول، الرصاص الطائش، الذي يفترض أن يكون عرضيًا، أصبح قانونًا يوميًا يحكم حياة سكان أم درمان، لم يعد الأمر مجرد أرقام تتراكم في تقارير المستشفيات، بل هو نمط حياة قسري يُفرض على كل من يسير في شوارع المدينة أو يختبئ في منزله، فالخوف هنا لا يعرف التوقيت، ولا يُميّز بين طفل يحمل دمية وامرأة تنشر الملابس المغسولة في زحام المعارك والمواجهات، تتلاشى الحدود بين الجندي والمدني، ليُصبح الجميع أهدافًا محتملة لطلقات لم تعد تعرف الرحمة، وبينما يحصي الأهالي ضحاياهم في كل أسبوع، يظل السؤال معلّقًا: متى تنتهي هذه الفوضى القاتلة؟

*رصاصات الموت الطائشة*


لم تعد رصاصات أم درمان تبحث عن عدو، بل تجد ضحاياها حيث لا يتوقع أحد، في الأسبوع الأول من فبراير وحده، سجّلت المستشفيات 51 إصابة برصاص طائش، وفقًا لمصادر طبية مطّلعة.
غير أن اليوم الأكثر دموية كان يوم إعلان استعادة السيطرة على مدينة ود مدني، حيث امتلأت أروقة المستشفيات خلال ساعات بـ55 مصابًا، معظمهم داخل منازلهم أو في طريقهم لشراء احتياجاتهم اليومية.


من بين هؤلاء، كان أمجد إبراهيم، شاب في الثانية والعشرين من عمره، جالسًا في فناء منزله عندما أصيب برصاصة اخترقت ساقه.
يقول والده بغضب: "لم يكن في الشارع، لم يكن يحمل سلاحًا، لم يكن طرفًا في أي شيء.. ومع ذلك، انتهى به الأمر على سرير المستشفى".


وتابع لـ"العرب مباشر"، ابني لم يكن الحالة الوحيدة لمثل هذا العبث والاستهتار بحياة الناس، فهناك العشرات من المصابين فلا يمر يومًا دون أن نرى أو نسمع عن شاب أو طفل أو أمراة أو شيخ سقط دون مقدمات بعد إصابته برصاصة طائشة، مختتمًا: "قصة أمجد ليست الوحيدة، فالرصاص الطائش أصبح ضيفًا ثقيلًا في كل بيت، يفرض حضوره بوحشية على الأبرياء".


*الطلقات العشوائية في كل مكان*


في المدينة التي كانت تعرف بلياليها الدافئة، لم يعد النوم في الهواء الطلق خيارًا آمنًا، يقول ياسر البدوي، عامل بناء، كان يستريح في فناء منزله هربًا من حرارة الغرف المغلقة، عندما استيقظ فجأة على ألم حاد في كتفه.


وأضاف البدوي - لـ"العرب مباشر" - لم أسمع صوت الطلقة، شعرت بألم شديد ثم نزيف حاد، مضيفًا حاولت البحث عن مستشفى لإنقاذي ولم أجد، وما أنقذني هو أحد الممرضين الذي حاول إنقاذي بشكل بدائي وبأدوات كان يحتفظ بها في منزله، فاستخرج الرصاصة وأوقف النزيف، مختتمًا "هذا كابوس مستمر".

*الرصاص احتفالًا.. والموت ثمنًا*

ما يزيد من مأساوية المشهد أن إطلاق النار لم يعد مقتصرًا على المواجهات العسكرية، بل أصبح طقسًا ملازمًا لأي مناسبة، مع الانفلات الأمني الواضح وانتشار السلاح بكثرة في يد الشباب.
حفلات الزفاف، عودة الجنود، حتى لحظات الفرح العابرة، كلها تحولت إلى مسرح مفتوح للرصاص العشوائي.


يقول، أحمد زين، صاحب متجر في أحد أحياء أم درمان: "أصبحنا نخشى الأفراح أكثر من الأحزان، حين يبدأ إطلاق النار في عرس، نغلق المحلات ونتحصن في الداخل، لأننا نعرف أن الرصاص لن يتوقف حتى يسقط شخص ما".


مع استمرار هذه الفوضى، تعالت أصوات الأهالي مطالبين بحماية الأطفال، الذين باتت المدارس بالنسبة لهم مكانًا محفوفًا بالمخاطر.


يقول سالم حسن، كيف أرسل ابني إلى المدرسة وأنا لا أعرف إن كان سيعود؟ وأضاف سالم الأب لثلاثة أطفال: فقدنا الأمل في تعليم أبنائنا وأصبح بقاؤهم في المنزل هو الحل الأسلم في ظل الفوضى العارمة.


وأضاف حسن - لـ"العرب مباشر" - أحاول تعليم أبنائي القراءة والكتابة وما أستطيع من علوم أملًا في أن تتحسن الظروف في المستقبل القريب فلا تكون فاتتهم فرصة التعليم.


وتابع حسن، القلق الأكبر لدى السكان هو غياب أي حلول تُلوح في الأفق، لا أحد يعرف متى وأين ستسقط الرصاصة القادمة، ولا أحد يستطيع إيقاف هذه الدوامة من العنف العشوائي.